د. سعد الكبيسي
المرض عافانا الله وإياكم من طبيعة خلق الإنسان، ويرافقه عادة الضعف والوهن والألم النفسي والجسدي، ولذلك يتلهف المريض لأي طبيب أو دواء يكون سببا في شفائه أو حتى تخفيف ألمه بعد الله تعالى.
وهنا نجد الكثير من الغيورين من المسلمين من يتطوع لتقديم ما عنده من معلومات حول الموضوع بأن يدل على طبيب أو دواء أو وصفة مجربة بعلم أو بغير علم.
وازدادت المشكلة وتفاقمت في عصر الاتصالات السريعة ومواقع التواصل الاجتماعي التي لا رقيب عليها ولا حسيب، حيث العدد الهائل من القنوات والصفحات والمنشورات المرئية والمكتوبة التي تصف المرض وتشخصه وتعطي الدواء له.
وهذه المنشورات على قسمين:
الأول: منشورات من أصحاب التخصص من أطباء وصيادلة، ثقات في مهنهم ومنشوراتهم، فهذه منشورات يمكن تداولها ونشرها لأنها صادرة من متخصصين ثقات.
الثاني: منشورات بدافع الانتشار والحصول على المتابعات والمشاهدات، أو بدوافع تجارية لبيع أدوية كيميائية أو عشبية من غير المتخصصين، فهذه “حرام شرعا تداولها ونشرها” إلا بعد استشارة المختصين لأنها مضرة وقد تحدث الأذى في المريض أو حتى ربما تقتله!!!
وأما الممارسة لمهنة الطب دون تأهيل ولا شهادة فهذا ليس فعلا محرما فقط، بل على السلطة الحجر عليه لأن فيما يفعله ضررا متعديا وأذى واضحا بالناس.
وقد يقول قائل: أنا أنشرها وعلى المشاهد لها أن يتـأكد؟
فنقول: معظم الناس ليس عندهم هذه الثقافة ويصعب عليهم التمييز بين المتخصص وغير المتخصص.
ويقول قائل آخر: أنا أرسلها فإن لم تنفع المريض فإنها لا تضره؟
وهذا فهم كارثي لأن الدواء ليس لعبة وليس أكلة عابرة، بل هو مواد كيميائية محسوبة في الكم والنوع والجرعة لا يمكن أن توصف إلا من الطبيب المختص، لأن خلط دوائين قد يقتل، أو أن هذا الدواء لهذا المرض ولهذا الشخص سيكون سما قاتلا لا دواء شافيا، وحتى الأعشاب التي ينتشر القول بأنها إن لم تنفع فلا تضر فهذا القول غير صحيح فمن الأعشاب ما هو مضر إذا وصف من غير خبير بها ومتخصص في تكوينها وجرعاتها.
يقول سبحانه: “وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسُۡٔولا.”
أي لا تتبع أيها الإنسان ما لا تعلم وتثق بكل ما تسمعه، بل عليك أن تتثبت وتتأكد تماما مما ليس لك به علم، فالإنسان مسؤول عما استعمَل فيه سمعه وبصره وفؤاده.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ” كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ”.
ومعناه أن على المسلم أن يتأكد من كل ما يسمعه حتى لا يقع في الكذب، فإن علم به كذبا فقد وقع في كبيرة، وإن لم يعلم به كذبا ولم يتأكد وقع في حكم الكذب أيضا وكان آثما.
والآية والحديث يتحدثان بالعموم فكيف إذا اقتفى ما ليس له به علم، ولم يتثبت منه ونشر كل شيء سمعه، في قضايا الطب والدواء الخطرة التي قد تؤذي إنسانا أو تقتله؟
الخلاصة:
1_ لا تنشر منشورا طبيا إلا بعد أن تتأكد منه من المختصين، وإلا تسببت في إيقاع الضرر بالناس، وكنت محاسبا أمام الله على ذلك، قصدت ذلك الضرر أو لم تقصد.
2_ على المريض ألا يأخذ بهذه الوصفات والمنشورات وعليه الذهاب للطبيب الثقة المشهود له بالخبرة وحسن التعامل، فليس كل ما ينشر يصلح لكل الحالات حتى لو كانت للمرض نفسه، لأن لكل جسم طبيعته وحالته الخاصة التي تحتاج إلى معاينة واستشارة خاصة.