عامقضايامقالاتمقالات الرأي

الأندلس من الفتح الإسلامي إلى التنصير الإسباني

 

فرج كُندي

رئيس مركز الكندي للدراسات والبحوث

خصائص الفتح الإسلامي للأندلس

كان الفتح الإسلامي للأندلس وسقوط دولة القوط في الفترة ما بين عامي (714 – 711م) بقيادة طارق بن زياد ثم لحقه وأكمل معه الفتح وإلى إفريقيا موسى بن نصير، وبذلك يؤرخ للعصر الإسلامي في بلاد الأندلس الذي استمرت مدته نحو ثمانية قرون تقريبا؛ حتى سقوط مملكة غرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 1492م، وبهذا يؤرخ لنهاية الحكم الإسلامي الذي مهد لنهاية وجود المسلمين في تلك المنطقة، بعد أن استقر وساد فيها منشئ حضارة مازالت مضرب المثل في التسامح والرقي والازدهار في كافة مجالات الحضارة الإنسانية.

يعدّ الفتح الإسلامي للأندلس، كما لبقية الأمصار التي فتحها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، بداية عصر جديد، لما ترتب عليه من نتائج دينية، وثقافية، واجتماعية، واقتصادية، وسياسية غيرت مجرى التاريخ فيها، وطورت نتاجها الحضاري تغييرًا جذريًا؛ إلا أن معظم المؤرخين انصب اهتمامهم بالتركيز على الجوانب العسكرية والسياسية لهذه الفتوحات أكثر من باقي الجوانب الحضارية من عمارة وطب وهندسة وفلسفة وشعر وأدب وموسيقا ومخترعات، ولم يكن يشمل كافة الجوانب الثقافية، والاجتماعية، والحضارية، والاقتصادية، إلا نادرا مقارنة بالجانبين السياسي والعسكري الذين نالا نصيب الأسد من الاهتمام والعناية.

لذلك فإن أكثرية سكان الأندلس قد وقفوا موقفا إيجابيا من الفاتحين المسلمين، ورحبوا بهم، أملاً في التمتع بحريتهم، وهو ما أسهم في سرعة اندماج الأندلسيين في المجتمع المسلم ودخل عدد كبير منهم في الإسلام وأصبحوا جزءا من المجتمع الأندلسي المسلم. وقد مهد الفاتحون المسلمون، الذين تمثلوا مبادئ الإسلام وأفسحوا لهم المجال لتقلد جميع الوظائف المؤهلين للقيام بها. وعلى أيديهم دخلت مساهمات ملموسة في تكوين حضارات الإسلام في الأندلس.

انتشار الإسلام في الأندلس:

غداة الفتح الإسلامي لبلاد الأندلس سنة 92 هجرية. كانت الأغلبية الساحقة من سكانه ينقسمون إلى النصارى، أو وثنيين، أو يهود. وهذا ما سهل دخول أكثرية هؤلاء السكان منذ سنوات الفتح الأولى إلى الإسلام، عن قناعة ودون تردد، فلم يرغم إنسان واحد على أن يترك دينه من غير قناعة. فانتشر بينهم الإسلام بسرعة خاطفة في كل مكان وصل فيه صوته وخبره، وقد جاء ذلك الإقبال المنقطع النظير، بعد أن علموا بمحاسن الإسلام وعظمته وفطرته، وبعد أن شاهدوا بأم أعينهم سماحة الفاتحين وسمو أخلاقهم، وتحطيمهم للنظام الطبقي غير العادل الذي فرضه القوط عليهم، ونشرهم لمبدأ المساواة بين الناس، وعدم التمييز بين مسلم وآخر إلا بالتقوى، وبعد أن تنسموا على أيديهم نسيم الحرية، التي اكتملت بها إنسانيتهم.

وقد فسر بعض المستشرقين المغرضين سرعة دخول أهل الأندلس للتحول إلى الإسلام بأنه كان خوفًا من الجزية.

وهذا افتراء محض، فالإسلام صريح في معاملة من يؤثر البقاء على دينه، وذلك بدفع الجزية، وهي مبلغ ضئيل جدا، ويعفى منه الشيخ والمرأة والطفل والعاجز، كما أعفي منها الرهبان المنقطعون في أديرتهم، كذلك من الممكن تأجيل تحصيلها من المعسر حتى تتحسن أحواله، والإسلام ينص على عدم الإكراه في الدين في آيات قطعية حاسمة تعطي لأنسان حرية اختيار ديانته {لا إكراه في الدين} {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}. {لكم دينكم ولي دين}

سرعة انتشار التعريب في الأندلس:

كان ذلك التحول إلى الإسلام من قبل السكان الأصليين في الأندلس بداية التخالط السكاني والتمازج الثقافي، ولم تبقَ على عقيدتها سوى قلة من الكاثوليك، إلى جانب قلةٍ من اليهود. ولكن حتى هؤلاء وأولئك لم يلبثوا أن استعربوا ثقافة ولسانًا وأسلوب حياة، بعد عدة عقود، وذلك بلا ضغينة ولا إكراه. وهكذا، فمع دخول أهل البلاد الأصليين في دين الله أصبح المسلمون من العرب والبربر قلة بينهم، وكان لانتشار الإسلام إسهامًا مباشرًا في انتشار اللغة العربية، لأنها لغة القرآن، وكان على كل مسلم أن يتعلم العربية، كي يفهم كتاب الله، ويقوم بواجباته الشرعية. ويمكن القول إن الإسلام والعربية سارا جنبا إلى جنب، وأسهما في تحطيم الحواجز النفسية، والمعنوية واللغوية، التي تفصل المسلمين الفاتحين عن السكان الأصليين.

وكذلك كان لعلاقات المصاهرة والجوار بين الفاتحين المسلمين والسكان الأصليين أثر بالغ في انتشار الإسلام بين أهل الأندلس، وبانتشاره انتشرت اللغة العربية والثقافة الإسلامية.

وبكون العربية هي لغة الدولة الرسمية غدت لغة الدواوين بعد أن تم تعريبها على أيدي الأمويين، ولهذا كان على كل من يتعامل مع الدولة أن يتعلم لغتها، وفي مقدمة هؤلاء رعاياها من أهل البلاد المفتوحة ومنها الأندلس مما ساهم في انتشارها بين المسلمين الأندلسيين الجدد وغيرهم ممن بقوا على دياناتهم ولم يدخلوا في الإسلام.

خصائص التنصير الإسباني

حرب الاسترداد وسقوط غرناطة

كان مشروع ما عرف بحرب الاسترداد التي شنها الأسبان ضد الوجود الإسلامي في الأندلس وقادها ملكا أرجوان وقشتالة، “فردناند وإيزابيلا” بعد زواجهما السياسي والديني يهدف إلى إبادة المسلمين وإنهاء الوجود الإسلامي في بلاد الأندلس.

كان هذا المشروع الإبادي يقوم على عقيدة دينية متطرفة تدعو إلى استخدام أبشع صور القتل والتعذيب والتشريد للمسلمين وإلى طرد المحتلين المسلمين من أرض الأندلس.

حقق هذا المشروع انتصارات متتالية وقلص الوجود الإسلامي في الأندلس ولم يبق إلا مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس التي بسقوطها سنة (897 هجري- 1492 ميلادي) بدأت المحنة الكبرى للمسلمين في الأندلس، وهي امتداد طويل لمحن مهدت لها وسبقتها؛ مع أن شروط التسليم كانت تحتوي على (سبعة وستين) شرطا منها تأمين المسلمين على أنفسهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم وأملاكهم وحريتهم وإقامة شعائرهم الدينية واحترام دور العبادة – المساجد – وإعفائهم من الضرائب و…، غير أنه لم ينفذ منها شرط واحد!

بل أمعن عاهلا إسبانيا الصليبيان فردناند وإيزابيلا في اضطهاد المسلمين في الأندلس بإصدار عدة مراسيم متتالية ومترادفة تقضي باضطهاد المسلمين. منها أمر ملكي بمنع وجود المسلمين في المملكة –غرناطة مدينة المعاهدة التي ذكرت آنفا – وقد اختارهما الله (فردناند وإيزابيلا) لتطهيرها من الكفرة!! ويقدر بعض المؤرخين عدد من تم تعرضه للسجن والتعذيب من المسلمين بعد سقوط غرناطة بثلاث ملايين نسمة ممن تعرضوا للقتل والحرق أحياء.

كما صدر أمر ملكي يحتم على كل مسلم بلغ الرابعة عشرة ومسلمة بلغت الثانية عشرة أن يغادر غرناطة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. ورسم البابا في مارس 1524 بحث رجال محاكم التفتيش أن يعجلوا بإجبار المسلمين على اعتناق المسيحية الكاثوليكية، ومن أبى من المسلمين فعليه أن يخرج من إسبانيا ومن لم يعتنق المسيحية كان جزاؤه أن يصبح عبدا رقيقا طوال حياته، وأعقب هذا الرسم أمر ديوان التفتيش في سنة 1526 بإجبار المسلمين على التنصّر ونفذ هذا القرار في جميع الأراضي الإسبانية دون استثناء.

واتبع الملوك الإسبان سياسة أخرى بالإضافة إلى القتل والتنصير وسياسة مشروع النفي والتهجير.

ويقدر المؤرخون عدد المنفيين حتى أواخر سنة 1609 بأكثر من مائة وخمسين ألف نسمة.

أما تقدير عدد المنفيين من إسبانيا كلها بعد حملة التطهير العرقي والديني للمسلمين بعد سقوط غرناطة وما تلاها فهو يتراوح بحسب الخلاف بين المؤرخين من مليون نسمة الي ستمائة ألف مسلم هذا بخلاف الذين تم تنصيرهم قسرا أو قتلوا في السجون وأثناء التعذيب في حملة إبادة واسعه.

وما اشبه اليوم بالبارحة وما قام ويقوم به الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين منذ عام 8194 مع الشعب الفلسطيني المسلم. من تنكيل وتهجير وقتل وابادة وسجون ليخرجوهم من أرضهم وينفونهم في أصقاع العالم ليقيموا عليها دولة الصهيونية العالمية تحت شعار يهودية الدولة كما فعل ملوك اسبانيا الصليبيين مع مسلمي الاندلس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى