عاممقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

الإسلام دين العقل والإقناع 

الشيخ محمد الغزالي

قام الإسلام على أساس منّ مخاطبة العقل، وإقناعه بما ينبغي أن يقتنع به من حقائق، فلا إكراه ولا قهر.

إن جهد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينير النفوس من الداخل ، وأن يجعل العقل الإنساني ينتهي من اتباع ، ومن تصديق الأوهام ومن إلف الجهالات، فإن إلف الجهالات لا ينبغي أن يكون طبيعة البشر ولا شأنهم!

  الإسلام حرك العقل ليكون في محاربة الوثنية: { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون* عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون} المؤمنون 91، 92. ويقول : {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون* لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} الأنبياء 22،23.

وإذا كان لدى الآخرين دليل على ما عندهم فليأتوا به، والله سبحانه وتعالى يقول {أمّن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} النمل 64.

على هذا النحو عاش النبي عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة وبعدها، يفرق الإيمان وينمّيه ويقويه بتنمية العقل الإنساني والضمير الإنساني لا بشيء آخر…..

  تلك هي الوسائل التي اعتمدت في ديننا، لغرس الدين، وجعله ينطلق من قلب إلى قلب ومن فكر إلى فكر

  الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه: في الأرض مشركونفي الأرض ملحدونفي الأرض فجرةفي الأرض مختلقون على الله ما ليس فيه، وما لم يقل، وما لا ينبغي له: { نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} ق45. لست عليهم بجبار: أي لست حاكما عسكريا يصدر أمرا، ثم تنطلق الكتائب من وراء هذا الأمر ترغم الناس على قبوله، لا !!!.

أنت مدرسأنت معلمأنت شارح حقائقأنت غارس فكر في عقول الناس: { فذكر إنما أنت مذكّر*لست عليهم بمسيطر * إلا من تولى وكفر* فيعذبه الله العذاب الأكبر} الغاشية 21،24.

وكما يقول العلماء (إلا) هنا ليست استثناء، إنما هي استدراك بمعنى أن من كفر بالحق بعدما تبين له فليتحمل مسؤولية عمله: { ولا يظلم ربك أحدا} الكهف 49. { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} الطور 29. ذكر هذا التذكير هو مهمتناوهو عمل النبي عليه الصلاة والسلام.

  ومع استبحار القرآن في عرض الأدلة، وإنعاش الفكر الإنساني، فإنه يؤكد هذه الحقيقة خصوصاً في السور المطولة، فنجد في سورة الأنعام وهي سورة طويلة { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ} الأنعام 104.  تجد في سورة الكهف: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الكهف 29.

 رأيت بعض المبشرين والمستشرقين قال: إن قيام الإسلام على الإقناع، وعلى الدعوة الحرة، وتركه للمعارضين يتصرفون كيف يشاؤون، كان ذلك قبل الهجرة،  ولكنه بعد الهجرة ، أو بعض المستشرقين، بعد أن تماسك السيف في يده، بدأ يطارد معارضيه وينسى الفكر العقلي الذي بدأت الدعوة به، وقام في الناس على أساسه، وهذا كلام غريب ، وهو كلام مكذوب ، لأننا ننظر إلى القرآن الذي نزل في المدينة، ونتساءل: هل فعلاً خالف مبدأ الدعوة والتذكير والتدريس والتبليغ الذي كان في العهد المكي؟!

لننظر ، هناك سورة نزلت كلها بالمدينة مثل سورة البقرة نجد قوله تعالى: { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك يالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم} البقرة 256.

وقال المفسرون في سبب نزول الآية: إن بعض الأنصار كان لهم أولاد تهودوا أو تنصروا، فحاول أولئك الأنصار أن يدخلوهم في الإسلام كرهاً، وأن يقصروهم على التوحيد قصراً، فآذى النبي عليه الصلاة والسلام ذلك ، فنزلت هذه الآيات تبين أنه لا إكراه في الدين.

ونجد هذا في مخاطبة أهل الكتاب عموماً في نفس السورة:{ قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون}البقرة 139 أي إكره وأى جبر في هذا السياق الوديع اللطيف الهادئ المقنع؟!

لننظر مثلاً سورة أخرى كسورة آل عمران يقول الله فيها للفريقين معا، عبدة الأصنام وفريق أهل الكتاب: { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد} آل عمران 20.

إنه لا يقول لهم: إن توليتم فعليكم اللعنة، بل أنا على البلاغ، وقد أديت أمانتي في شرح الفتاوى التي تقودكم إلى الإيمان لو كنتم منصفين.

وفي الخطاب أو الكتاب الذي أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى هرقل، ماذا فيه؟

يقول له: ( اسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين) ثم يختم الخطاب بهذه الآية { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}آل عمران 64.

هل يفهم من هذا أن الإسلام لم يمتشق الحسام عندما اضطرّته الظروف إلى أن يفعل ذلك؟ لا ، لا نقول ذلك.

لقد امتشق الإسلام الحسام فعلاً وقاتل، لكن من قاتل؟

يوم يكون في يديك مصباحا يضيء لك الطريق تستنير أنت به، ويستنير غيرك به، ثم يحاول بعض الحمقى، أو بعض الجبابرة، أن يكسر المصباح، فهل يترك أصحاب سياسة تكسير المصابيح، يخربون ويتركون العالم يمضي في الظلام، لا، لا نتركهم على هذا النحو:{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}التوبة 32

  هؤلاء الذين قالوا وهم الذين اعترضنا طريقهم بنفس الأسلوب الذي اعترضوا به طريقنا. ولشوقي أبيات في هذا قال:

غزوت ورسول ما بعثوا       بقتل نفس ولا جاء بسفك دم

جهل، وتضليل أحلام، وسفسطة      غزوت بالسيف بعد الغزو بالقلم 

والجهل إن تلقه بالحلم ضقت به     ذرعاً وإن تلقه بالجهل ينحسم

   لقد رأينا في التاريخلا يتركون أصحاب المنطق يقررون ما لديهم في هدوءلطالما قال الإسلام للناس: { لكم دينكم ولي دين} الكافرون 6 …طالما قال للناس: { لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون}يونس 41. لكن ما العمل إذا جاء بعض الناس وقالوا: لنا ديننا وليس لك دينك. لنا عملنا وليس لك عملك.

ما العمل إذا وجدت من يريد فتنتي عن الحق الذي شرفني الله به، وإعادتي إلى الخرافة التي أنقذني الله منها، وليس يملك من سبيل إلى نشر ضلالة إلا أن يمتشق الحسام.

هنا يجب أن امتشق الحسام، وهو ما أفهمنا القرآن الكريم… { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة: 190. إنما قاتلنا على هذا النحووتاريخ ديننا تاريخ طويل ربما عرضنا لكثير من الحروب التي خاضها حتى يعلم الناس الحق من الباطل، وحتى تتبدد الغيوم والأدخنة التي أشاعها المستشرقون والمبشرون والكذبة وهم يؤرخون لديننا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى