عامقضايامقالاتمقالات الرأي

الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط..

د.  علي جمعة العبيدي

دبلوماسي ليبي

السابع من تشرين الأول – أكتوبر 2023 شكل تحولاً في أحداث العالم ورسم معالم جديدة للشرق الأوسط، فالولايات المتحدة كانت السباقة لرسم استراتيجيتها في المنطقة، فقد ناقش ثلاثة مسؤولين أمريكيين سابقين التحديات والفرص التي ستواجهها الإدارة الأمريكية القادمة في العام الثاني من حقبة ما بعد السابع من أكتوبر. وعقد معهد واشنطن منتدى سياسياً افتراضياً بمشاركة دينس روس، ودانا سترول، وديفيد شينكر. وروس شغل مناصب عليا تتعلق بالشرق الأوسط في أربع إدارات رئاسية أمريكية. ودانا سترول هي مديرة الأبحاث، وشغلت سابقاً منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن. وديفيد شينكر، هو مدير برنامج روبين للسياسات العربية في المعهد، وشغل سابقاً  منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى في إدارة دونالد ترامب.

المسؤولون الثلاثة قدموا ملخصاً لملاحظاتهم أكدوا فيه أن الشرق الأوسط قبل يوم واحد من السابع من أكتوبر كان يقف على شفا تحوّل عميق نحو السلام والاستقرار. وكان اتفاق التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” يبدو قريب المنال، لكن السابع من أكتوبر أغرق الشرق الأوسط في حالة فوضى عنيفة. وعلى مدار أكثر من عام واصلت الولايات المتحدة دعم حليفتها “إسرائيل” على الرغم من ظهور خلافات بينهما خلال فترة الحرب، وشجع المسؤولون الأمريكيون “إسرائيل” على تحويل مكاسبها العسكرية التكتيكية والعملياتية إلى نجاح سياسي استراتيجي.

الولايات المتحدة نجحت في اتباع نهج يجمع بين الثبات والمرونة لمواجهة تحديات في العام الماضي. إذ دعمت إدارة بايدن استمرار حق ما أسمته بـ”حق إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، وظلت ملتزمة إيجاد حل دبلوماسي وتخفيف حدة التوترات. ووسط تطورات إقليمية متسارعة، استمرت الإدارة الأمريكية في السعي إلى تحقيق التكامل الإقليمي، سواء بالحفاظ على مسار التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، أم بتعزيز الدفاع المتكامل بين “إسرائيل” وجيرانها العرب. وفي الوقت نفسه أظهرت واشنطن مرونة في استخدام القوة العسكرية. فقد أظهرت الجهود القوية على جبهات متعددة مدى النفوذ العالمي الحقيقي للولايات المتحدة، والتزامها قدسية التحالفات، وقدرتها على التكيف في الدفاع عن النظام الدولي الليبرالي، مثلاً واصلت دعم الجيش الإسرائيلي واستهدفت ما تقول إنها أذرع إيران في المنطقة والحرس الثوري، وكونت تحالفاً لمواجهة الاضطرابات البحرية التي ينفذها اليمنيون في البحر، وأجرت تعديلات كبيرة على نشر حاملات الطائرات، واستمرت في دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، ومنعت العدوان الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

الولايات المتحدة بقيت منسجمة إلى حد كبير مع أقرب حليف لها في المنطقة وهو “إسرائيل” واستمرت في تقديم دعم قوي لها، ويتفق الحليفان أيضاً على مبدأ توجيهي لما بعد الحرب في قطاع غزة ولبنان، ومن بين الأسئلة الكبرى التي تحتاج إلى إجابة نذكر: كيف ينبغي للولايات المتحدة أن تواجه تهديد إيران ووكلائها الإقليميين وبرنامجها النووي؟ وكيف ستتعامل مع التهديد المستمر الذي يشكله اليمنيون؟ وكيف يجب أن توزَّع الموارد والقوات في الشرق الأوسط مع الحفاظ على الأولوية للتهديد الاستراتيجي الذي تشكله الصين؟

السياسة الأمريكية نحو سوريا التي تعد رأس حربة في مواجهة ”إسرائيل”، كانت تشهد انخفاضاً وارتفاعاً بنسبة التصريحات، فقد حاولت واشنطن في عقد التسعينيات من القرن الماضي استخدام سیاسة الترغیب والترهيب أو سیاسة العصا والجزرة في محاولة منها لإجبار دمشق على انتهاج سیاسة أكثر توافقاً وانسجاماً مع المصالح الأمريكية. وهذا  أدركته دمشق حينها، التي اختارت أن لا تقف في وجه العاصفة الأمريكية ودخلت معها في محادثات ومفاوضات مطولة، إلى جانب الموافقة على الاشتراك في مؤتمر مدرید للسلام، وعدم إظهار معارضتها إظهاراً علنياً وواضحاً لوضع الولایات المتحدة الجدید والمتمیز في المنطقة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

العلاقات السوریة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر وصلت إلى مرحلة من التوتر غیر المعهود في تاریخ العلاقات الدولیة، وتمیزت بتصعید اللهجة الأمريكية ضد سوريا وإطلاق التهدیدات في مختلف التصريحات الصادرة عن المسؤولین الأمريكيين، واتخذ الكونغرس الأمريكي قراراً -صادق علیه الرئیس فیما بعد- يطالب بعدم إعطاء الرعايا السوریین تأشيرات دخول إلى الولایات المتحدة ثم أعقبه قانون محاسبة سوريا.

الثورة السورية شكلت منعطفاً مهماً في العلاقات بين البلدين، إذ اصطفت واشنطن إلى جانب الشعب السوري في وجه النظام وقمعه الاحتجاجات على مدار 14 عاماً، وأصدرت قانون عقوبات قيصر الذي ساهم مساهمة كبيرة في انهياره، وبعد سقوطه تعاملت واشنطن بواقعية وديناميكية مع السلطة الجديدة في دمشق بهدف ضمان استقرار سوريا وضمان مصالح واشنطن في المنطقة.

هذه الملفات وغيرها ستكون محور كتابي الذي يتكون من جزأين، ويتحدث عن السياسة الخارجية للرؤساء الأمريكيين ووزراء خارجيتهم في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى