اجتماعيةعامقضايامقالاتمقالات تربوية

التربية قبل التعليم

أ. مصباح الورفلي

منذ أن عرفنا طريق المدرسة، وعينا على شعار خطّ بعناية على جدرانها ومداخلها: “التربية قبل التعليم”. عبارة تختزل فلسفة عظيمة تؤكد أن العملية التعليمية لا تقوم على نقل المعارف فحسب، بل على غرس القيم وبناء الإنسان؛ فالتربية هي الجذر الذي تنمو منه شجرة التعليم، وبدونها تفقد العملية التعليمية توازنها، ويتحوّل العلم إلى أداة بلا روح، والمعرفة إلى وسيلة بلا ضابط.

ما دفعنا إلى استحضار هذا المبدأ الأصيل هو مقطعٌ متداول لمعلمة – أو ربما مدرّبة – استخدمت أسلوبًا مستهجنًا في مخاطبة طلابها، حين راحت تصف الرجل بألفاظ تحطّ من قدره وتسيء إلى مكانته في المجتمع، وبلغ بها التجاوز أن اختارت اسم “محمد” في مثالها، في تلميحٍ مستهجن يجرح مشاعر المسلمين ويُوهم بالنيل من خير الأسماء، واسم خير الأنام ﷺ.

أيّ رسالة تربوية يمكن أن تُبنى على الإهانة والازدراء؟
وأيّ قدوة نرجو أن نغرسها في نفوس أبنائنا ونحن نسمح بمثل هذا الانحدار في الأسلوب والمضمون؟
إنَّ التربية والتعليم رسالة سامية، ومؤسساتنا التعليمية محاضن للقيم قبل أن تكون مراكز للمعارف؛ فما بالنا نرى من بعض الكوادر من يهدم ما بُني عبر عقود، ويشوّه صورة المعلم القدوة والبيئة التربوية التي كان يُفترض أن تُعلي شأن الأخلاق قبل الشهادات؟

ولعلّ التاريخ يعيد نفسه، فقد ذكر أحد المعلمين الأفاضل ممن درس في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، أنّ انتشار أشرطة الفيديو لمسرحية مدرسة المشاغبين آنذاك خلّف آثارًا سلبية على سلوك الطلاب، إذ حاول بعضهم تقليد مشاهدها الهزلية التي تنتقص من مكانة المعلم وتزرع الفوضى في بيئة الصف، فانعكست تلك السلوكيات في سلوكيات مراهقين لم يدركوا أن السخرية بالمعلم هي سخرية بالعلم ذاته.

لقد أُنشئت مدارسنا لتكون مناراتٍ للقيم ومصانع للرجال، تخرّج أجيالًا تحمل العلم مقترنًا بالأدب، والمعرفة مصحوبة بالضمير؛ فالتربية هي التي تهذّب، والعلم هو الذي يُنضج، ومتى فُصل أحدهما عن الآخر ضاع الهدف، وفسدت الثمرة.

ما قيمة التعليم إذا انفصل عن الأخلاق؟
وما نفع المجتمعات إن ضاعت فيها القيم وتحوّل أبناؤها إلى أدوات بلا وازع ولا ضمير؟
إن العملية التربوية والتعليمية لا تقوم إلا على الاحترام، والقدوة، والرحمة؛ فإذا تحولت إلى منبر للسخرية والإسفاف، أو وسيلة لبثّ العنف والرذيلة والتنمر، فقدت جوهرها، وأصبحت خطرًا على الأجيال لا أداة لبنائها.

فلنستعد معنى التربية، ولنُعد للمعلم مكانته، وللمدرسة رسالتها، وللتعليم روحه الأخلاقية التي بها يُبنى الإنسان ويُشاد الوطن وتُقام الحضارة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى