عاممقالاتمقالات الرأيمقالات فكرية

الثقافة الإسلامية المعاصرة.. خصائص ومميزات

فرج كُندي

رئيس مركز الكندي للدراسات والبحوث

لكل ثقافة مفهوم خاص بها تتميز به عن باقي الثقافات المجاورة والمعاصرة والسابقة لها، والثقافة الإسلامية ليست بدعاً عن الثقافات الإنسانية من خصوصية المفهوم والخصائص أو المفاهيم والتصورات والأهداف والمنطلقات.

فالثقافة الإسلامية تمثل القيم والسلوك والعلاقات الاجتماعية والصفات والخصائص المستمدة من تعاليم وأحكام الشريعة الإسلامية، التي انبثّت وانتشرت منها هذه الثقافة المتزينة بحلتها الخاصة التي تميزها عن أي ثقافة أخرى.

خصائص الثقافة الإسلامية

للثقافة الإسلامية خصائص تتميز بها عن الثقافات الأخرى:

أولها: أنها انبثقت من تعاليم الإسلام الغراء؛ فمصدرها إلهي رباني صاغها وشكّلها وفق تعاليم الإسلام، صاغ عقيدتها وتصوراتها في عقول أفرادها الذين أنتجوا هذه الثقافة، وهذا خلاف الثقافات الأخرى التي تعددت وتنوعت، بل تضاربت مصادرها؛ ما جعلها ثقافات يعتريها الخلل في أكثر جوانبها الإنسانية والأخلاقية والقيمية.

الثقافة الإسلامية تتميز بأنها تُوازِن بين الجانبين المادي والروحي بخلاف الثقافات الأخرى

وتتميز الثقافة الإسلامية بأنها تجمع بين التوازن في الجانبين المادي والروحي بخلاف الثقافات الأخرى، التي تعاني من خلل كبير في التوازن بين هذين الجانبين بين الإفراط والتفريط، في حين الثقافة الإسلامية قائمة على التوازن، بل التكامل بين الجانبين بسبب ربانيتها؛ لأن الله خلق الإنسان من مادة وروح؛ (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ {71} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (ص).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ» (صحيح مسلم)، وقال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك: 14)، وهذا ما تفتقر إليه الثقافات الأخرى.

تعتمد الثقافة الإسلامية على الإقناع بالبيان والحجة والبرهان، في حين الثقافات الأخرى تفتقر إلى هذه الطريقة الفريدة في الحوار والإقناع دون إكراه أو سفسطة جدلية لا دليل عليها ولا برهان، وتتفرد الثقافة الإسلامية بالقيم الأخلاقية التي لا تقيم لها الثقافات الأخرى قيمة ولا وزناً، بل إن بعضها يرى في القيم قيداً لا معنى له!

.. وتتفرد بالقيم والمبادئ والأسس الأخلاقية التي لا تقيم لها الثقافات الأخرى قيمة ولا وزناً

الثقافة الإسلامية ثقافة عالمية؛ لأن الإسلام دين عالمي للناس كافة؛ فهو صالح لكل زمان ومكان وكل بيئة، في حين الثقافات الأخرى محددة بزمان ومكان وأحياناً بلغة أو عرق أو دين، وغير قائمة على قواعد ثابتة مثل ثبات ورسوخ قواعد الثقافة الإسلامية القائمة على الربانية.

مصادر الثقافة الإسلامية

الأول: القرآن الكريم:

القرآن الكريم منزَّل من رب العالمين، وهذا من أهم خصائص الثقافة الإسلامية؛ فهو الذي تقوم عليه الثقافة الإسلامية لا يدانيه في المنزلة مصدر آخر من المصادر التي انبثقت عنه أو تأثرت به بصورة أو أخرى؛ لذلك، يعد هو أساس الإسلام في منهجه وعلومه وثقافته وحقائقه؛ لأنه (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42).

وللقرآن الكريم مقاصد عديدة في حياة المسلمين، أهمها هداية الناس إلى الله تعالى؛ لأنه يهدي للتي هي أقوم؛ (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9)، ويربي أفراد الأمة على قيمه، ويحثهم على العمل بها والتخلق بأخلاقها لإيجاد الشخصية القرآنية المتكاملة المتوازنة، التي تصنع الثقافة الإسلامية وتعيشها قولاً وعملاً.

ولا يتحقق العمل بالقرآن إلا من خلال تطبيق أحكامه لإيجاد مجتمع ملتزم بقوانينه حتى تتحقق فيه السعادة، ويسود فيه العدل والإخاء، وبالعمل بالقرآن تسود ثقافة العدل والمساواة بين الناس بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقوَى».

الثاني: السُّنة النبوية:

تأتي السُّنة النبوية مصدراً ثانياً للثقافة الإسلامية بعد مصدرها الأول القرآن الكريم، فالسُّنة هي المفسر للأحكام الكلية التي جاءت في القرآن الكريم، وقد تُرك البيان والتفصيل والتوضيح إلى السُّنة النبوية الشريفة المبينة والمفسرة له.

أبرز مصادر الثقافة الإسلامية القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة واللغة العربية وآدابها

وبكون السُّنة المصدر الثاني، فقد كان لها أثرها عبر العصور في صياغة وتحديد وتجديد ملامح الثقافة الإسلامية؛ لأنها كانت موجودة في أذهان وعقول الأجيال الإسلامية التي تناقلتها عبر أجيال الأمة المتلاحقة، وتربّت على هدي القرآن الكريم، ونهلت من معين السُّنة النبوية.

فهي تشكل رصيداً كبيراً من القيم والأخلاق التي تعدّ ملزمة لكل مسلم في جميع شؤون حياته العامة والخاصة، ولذلك لقيت عناية خاصة لكونها المصدر الثاني للثقافة الإسلامية، وما زال هذا الاهتمام يتناقله المسلمون خلفاً عن سلف، كما أمرهم نبيهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ».

الثالث: اللغة العربية:

بكونها الوعاء الذي حفظ كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولدورها في تشكيل عقل المسلم ووجدانه وطريقة تفكيره، ولدورها في تفسير القرآن الكريم، وفهم الأحكام الشرعية، ولهذا أقبل على تعلمها المسلمون غير العرب؛ لأنها لغة القرآن ولسان الإسلام.

ما تتميز به الثقافة الإسلامية

للثقافة الإسلامية خصائص عديدة ومتنوعة تجعلها ثقافة ذات أصول وثوابت وقيم تتفوق وتتميز بها على باقي الثقافات منها:

– الربانية: فهي ثقافة من عند الله تعالى كاملة غير منقوصة تكفل لمن ينتسب لها ويلتزم بها السعادة، ويستغني بها عن غيرها من أي ثقافة بشرية، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 3).

من خصائص الثقافة الإسلامية: الربانية والشمولية والواقعية والتوازن والاعتدال والثبات والتطور

– الشمولية: بكون الثقافة الإسلامية ربانية؛ فهي شاملة تستوعب كل جوانب الحياة لا تستثني شيئاً منها قليلاً أو كثيراً صغيراً أو كبيراً.

– الواقعية: الإسلام دين واقعي، ويتعامل مع الواقع من خلال تقريره للحقائق الموضوعية وفق حقيقتها وموضوعيتها، لا على الخرافات والأساطير التي ما أنزل الله بها من سلطان.

– التوازن والاعتدال: الثقافة الإسلامية ثقافة متوازنة قائمة على الاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه بلا إفراط أو تفريط، مع توازن في علاقة العبد مع خالقه؛ فالعبودية له وحده مطلقة، ومقام الإنسان هو العبودية لله وحده.

– الثبات والتطور والإيجابية: تتميز الثقافة الإسلامية بالثبات فيما يتعلق بالعقائد والحقيقة الإلهية وقطعيات الدلالة والثبوت من القرآن أو السُّنة، فهي ثابتة وغير قابلة للتطوير أو التغيير، وفيما يتعلق بالتطور فهو خاص بكل ما ينتجه العقل البشري ما دام صالحاً، ويتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية ويحقق المصلحة سواء كانت خاصة أو عامة فهي إيجابية.

هذا جوهر الثقافة الإسلامية إذا تمسكنا وعملنا بالجوهر؛ سوف ينعكس على المظهر، وإذا توافق المظهر مع الجوهر تحقق السؤدد، وسادت الثقافة الإسلامية، وأخذت مكانة الصدارة بين الثقافات الأخرى.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى