اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

الصداقة في ميزان الشريعة 《اختيار الأصدقاء طريق إلى الجنة》

أ. محمد العوامي
《اختيار الأصدقاء طريق إلى الجنة》

تُعد الصداقة من أعظم الروابط الإنسانية تأثيرًا في حياة الإنسان، فهي تشكل سلوكه وتفكيره ومصيره في الدنيا والآخرة.
وقد أولى القرآن الكريم هذه الرابطة اهتمامًا بالغًا، وأبرز خطورتها في آيات كثيرة، ومن أبرزها قوله تعالى: ﴿الأَخِلّاءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقينَ﴾ [الزخرف: ٦٧].

■ النجاة في صحبة المتقين:
ترسم هذه الآية الكريمة منهجًا تربويًا رفيعًا في اختيار الصديق والرفيق، فالأخلاء -وهم الأصدقاء المقربون- يتحولون يوم القيامة إلى أعداء يتبرأ بعضهم من بعض، إلا من كانت علاقتهم مبنية على تقوى الله تعالى.
ويوضح الإمام السعدي –رحمه الله– هذا المعنى في تفسيره فيقول: “يخبر تعالى عن الأخلاء في الدنيا، وهم الأصدقاء المتحابون فيها، أن محبتهم ومودتهم تنقلب يوم القيامة عداوة إلا من كانت صداقتهم في الدنيا مبنية على التقوى، فإنها دائمة في الدنيا والآخرة.”
فالصداقة الصالحة القائمة على التقوى هي التي تنجو من عداوة يوم القيامة، وتتحول إلى مصدر للأنس والسعادة في الآخرة.

■ الصحبة الصالحة وتأثيرها على السلوك: صفات الخليل الصادق
يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على تأثير الصحبة في قوله: “الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.” [رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن].
فهذا التوجيه النبوي يحثنا على انتقاء الأصدقاء بعناية، فهم يؤثرون لا محالة في ديننا ومنهجنا وسلوكنا. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على المؤمن أن يبحث عن صفات الصديق الصالح، ومن أهمها:
● الناصح الأمين: الذي يأمرك بالخير وينهاك عن الشر، ويدلك على الطاعة.
● المعين على الحق: الذي يذكرك إذا نسيت، ويساعدك إذا ضعفت عزيمتك.
● الصادق الوفي: الذي يصدقك القول والموقف، ويكون لك سندًا في الشدة قبل الرخاء.
○ فالمؤمن يستفيد من صحبة الأخيار، وصدق المثل القائل: “قل لي من تصاحب أقل لك من أنت”.

■ بركات الصحبة الصالحة: نموذج التضحية والوفاء
من أعظم ما يناله المؤمن في دنياه صحبة الأخيار، الذين يعينونه على الطاعة، ويذكرونه إذا نسي، وينصحونه إذا أخطأ. يقول الإمام السعدي: “من أعظم المكاسب وأجلّ المغانم: كسب صداقة الأخيار، واغتنام أدعيتهم في الحياة وبعد الممات.”
وقد ضربت الصداقة الإسلامية أروع الأمثلة في الثبات والتضحية، كما تجلّت في صحبة أبي بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ حيث قدّم الصديق ماله ونفسه وولاءه لرفيق دربه ونبيه، ليصبح مثالاً خالداً للصديق الذي يصدق في أحلك الظروف ويثبت في أصعب المراحل. فالصديق الصالح كنز ثمين، يدعو لك في حياتك وبعد مماتك، ويشفع لك عند الله تعالى.

■ ثمار الصحبة الطيبة في الآخرة:
يبشر الله تعالى المتحابين في جلاله بأنهم سيجتمعون في الآخرة على المحبة والألفة، وينزع من بينهم كل حقد أو ضغينة، فيقول: ﴿وَنَزَعنا ما في صُدورِهِم مِن غِلٍّ إِخوانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلينَ﴾ [الحجر: 47].
ويصور النبي صلى الله عليه وسلم منزلة المتحابين في الله فيقول: “إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله.” قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم؟ قال: “هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور…” [رواه أبو داود وصححه الألباني].

“إن بناء العلاقات في الإسلام ليس أمرًا هامشيًا، بل هو جزء أساسي من التربية الإيمانية. فالمؤمن مدعوٌ دائمًا إلى وزن علاقاته بميزان الشرع، واختيار من يعينه على طاعة الله، لا من يقطعه عنها”.

اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، المتعاونين على البر والتقوى، وارزقنا صحبة الأخيار في الدنيا، ورفقتهم في الجنة.

Related Articles

Back to top button