الصدق في السلوك الجهادي

الشيخ د. بنسالم باهشام
الصدق في السلوك الجهادي
أهداف الموضوع:
1 – أن يدرك المؤمن معاني الصدق وأنواعه ومحوريته في السلوك الجهادي الجماعي.
2 – أن يستشعر أهمية الصدق في سلوكه إلى الله تعالى.
3 – أن يتحرى الصدق في كل أحواله.
المحاور الأساسية:
مقدمة
المحور الأول: الإطار المفاهيمي
المحور الثاني: أقسام الصدق
المحور الثالث: فوائِدُ الصِّدقِ
المحور الرابع: عناصر الصدق في السلوك الجهادي
المحور الخامس: الصدق كقاعدة في تكامل الإيمان والجهاد
المحور السادس: كيف يؤثر الصدق في القيادة؟
المحور السابع: دور الصدق في شرعية القرارات القيادية بالجماعة
الخاتمة
مقدمة
لا يقتصر الصدق على الصدق في القول فحسب، بل هو صدق في النية والعمل، ووفاء بالعهد، ونزاهة من الأمانة، والصدق أمر ضروري في الجهاد الروحيالفردي، والجهاد الجماعي، ويعد الصدق شرطاً أساسياً في بناء الجماعة المجاهدة الصالحة التي تؤدي دورها بصدق وإخلاص لله تعالى، ومن دون صدق،لا يكون العمل الجهادي قابلاً للثبات أو التأثير الحقيقي.
المحور الأول: الإطار المفاهيمي
1 – مفهوم الصِّدقِ لغةً:
الصِّدقُ ضِدُّ الكَذِبِ، وأصلُ (صَدَقَ) يدُلُّ على قوَّةٍ في الشَّيءِ قولًا وغيرَه، وسُمِّي الصِّدقُ بذلك لقُوَّتِه في نفسِه، ولأنَّ الكَذِبَ لا قُوَّةَ له، فهو باطِلٌ، وقيل: هو في أصلِ اللُّغةِ: ثباتُ الشَّيءِ، ويقالُ: صَدَّقَه: قَبِلَ قولَه، وصَدَقَه الحديثَ: أنبَأَه بالصِّدقِ، ويقالُ: صَدَقْتُ القومَ، أي: قُلتُ لهم صِدقًا، وتصادَقَا في الحديثِ وفي المودَّةِ.
2 – مفهوم الصِّدقِ اصطلاحًا:
الصِّدقُ: (هو الخبَرُ عن الشَّيءِ على ما هو به، وهو نقيضُ الكَذِبِ).
وقال الباجيُّ في إحكام الفصول: (الصِّدقُ الوَصفُ المُخبَرُ عنه على ما هو به).
وقال الرَّاغِبُ الأصفهانيُّ في الذريعة إلى مكارم الشريعة: (الصِّدقُ مطابقةُ القولِ الضَّميرَ والمخبَرَ عنه معًا، ومتى انخرم شرطٌ من ذلك لم يكُنْ صِدقًا تامًّا).
3 – مفهوم الصدق في الجهاد
الجهاد هو “العطاء الذي لا ينقطع” في سبيل الله؛ بمقابل وعد الله في دار الجزاء، والسلوك الجهادي، ينبغي أن يكون قائماً على الصدق، لا في الأدنى فقط، بل في كافة الأوجه، كقول الحق، والوفاء بالعهد، وعدم خيانة الأمانة. وينطلق من الحديث النبوي الذي يحدد الصدق كقيمة محورية تشمل صدق الحديث، والوفاء بالعهد، مع عدم الخيانة، روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بْن مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قالرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- : (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ اَلصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى اَلْبِرِّ، وَإِنَّ اَلْبِرَّ يَهْدِي إِلَى اَلْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ اَلرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى اَلصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اَللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ اَلْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى اَلْفُجُورِ، وَإِنَّ اَلْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى اَلنَّارِ، وَمَا يَزَالُ اَلرَّجُلُ يَكْذِبُ،وَيَتَحَرَّى اَلْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اَللَّهِ كَذَّابًا). وهذا يشكل القاعدة الأخلاقية لسلوك المجاهد الحقيقي الذي يلزم نفسه ومجاهدته بالصدق في كل أطر الجهاد سواء في الدعوة أو المواجهة الواقعية.
من خلال هذا الحديث الصحيح، تظهر منزلة الصدق العظمى، فهو يصلح النفس وينقذها من الخطأ والضلال، حيث يشفع الصدق لصاحبه يوم القيامة، ويجعله في كوْن الصادقين مدخلاً للسلوك إلى الله تعالى. قال تعالى في سورة المائدة: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فالصدق عماد الأمر، وثاني درجة بعد النبوة. قال تعالى في سورة النساء: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا).
المحور الثاني: أقسام الصدق
يتعدّد الصدق، وينقسم ابتداء إلى مرتبين:
أولا: مرتبة الصادق: وهو من صدق في أقواله.
ثانيا: مرتبة الصدّيق: وهو من صدق في أقوالِهِ وأفعالهِ وأحوالهِ، باعتبارالصديقية ذروة الولاية والخلافة العظمى، وهي تترادف مع الفتوحات والكشوفات لصفاء النفس. لهذا لابد من الكينونة مع الصادقين كطابع للتقوى، مصداقا لقوله تعالى في سورة التوبة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
ويشمل الصدق ستة معانٍ أساسية:
1 – صدق القول، أو صِدقُ اللِّسانِ:
وهو أشهَرُ أنواعِ الصِّدقِ وأظهَرُها، وصِدقُ اللِّسانِ لا يكونُ إلَّا في الإخبارِ، أو فيما يتضمَّنُ الإخبارَ ويُنَبِّهُ عليه، والخبَرُ إمَّا أن يتعلَّقَ بالماضي، أو بالمستقبَلِ، وفيه يدخُلُ الوفاءُ بالوعدِ، والخُلفُ فيه، وحقٌّ على كُلِّ عبدٍ أن يحفَظَ ألفاظَه، فلا يتكَلَّم إلَّا بالصِّدقِ.
فمَن حَفِظ لسانَه عن الإخبارِ عن الأشياءِ، على خِلافِ ما هي عليه فهو صادقٌ؛ ولهذا الصِّدقِ كمالانِ:
الكمال الأوَّلُ: في اللَّفظِ: أن يحتَرِزَ عن صريحِ اللَّفظِ، وعن المعاريضِ أيضًا، إلَّا عِندَ الضَّرورةِ.
الكمالُ الثَّاني: أن يراعيَ معنى الصِّدقِ في ألفاظِه التي يناجي بها ربَّه.الإخبار بالحق دون كذب أو مبالغة، وهذا أشهر شعب الصدق وأصله.
2 – صِدقُ النِّيَّةِ والإرادةِ:
ويرجِعُ ذلك إلى الإخلاص في القصد والعزم على وجه الله دون رياء، وهو ألَّا يكونَ له باعثٌ في الحركاتِ والسَّكَناتِ إلَّا اللهُ تعالى، فإن مازجه شَوبٌ من حظوظِ النَّفسِ، بَطَل صِدقُ النِّيَّةِ، وصاحِبُه يجوزُ أن يُسمَّى كاذِبًا.
3 – صِدقُ العَزمِ:
فإنَّ الإنسانَ قد يقدِّمُ العزمَ على العملِ؛ فيقولُ في نفْسِه: إنْ رزَقني اللهُ مالًا تصدَّقْتُ بجميعِه أو بشَطرِه، أو إن لقيتُ عدوًّا في سبيلِ الله تعالى، قاتلتُ ولم أُبالِوإن قُتِلْتُ، وإن أعطاني اللهُ تعالى ولايةً، عدلتُ فيها ولم أَعْصِ اللهَ تعالى بظُلمٍ ومَيلٍ إلى خَلقٍ، فهذه العزيمةُ قد يُصادِفُها مِن نفْسِه، وهي عزيمةٌ جازمةٌ صادقةٌ، وقد يكونُ في عزمِه نوعُ مَيلٍ وترَدُّدٍ وضَعفٍ يُضادُّ الصِّدقَ في العزيمةِ، فكان الصِّدقُ هاهنا عبارةً عن التَّمامِ والقوَّةِ.
4 – صدق الوفاء بالعزم:
فإنَّ النَّفسَ قد تسخو بالعزمِ في الحالِ؛ إذ لا مشقَّةَ في الوعدِ والعزمِ، والمؤنةُ فيه خفيفةٌ، فإذا حقَّت الحقائقُ، وحصل التَّمكُّنُ، وهاجت الشَّهواتُ، انحلَّت العزيمةُ، وغلبت الشَّهواتُ، ولم يتَّفِقِ الوفاءُ بالعزمِ، وهذا يضادُّ الصِّدقَ فيه؛ ولذلك قال اللهُ تعالى في سورة الأحزاب: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، فهم صدَقوا في عزمِهم، وصدَقوا في الوفاءِ الحَقِّ بما عزَموا عليه، ولم تتراجَعْ نفوسُهم ولم تتردَّدْ في إنفاذِ العزمِ.
عن ثابتٍ قال: قال أنسٌ رضي الله عنه: (عَمِّي الذي سُمِّيتُ به، لم يشهَدْ مع رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بدرًا. قال: فشَقَّ عليه، قال: أولُ مَشهَدٍ شَهِدَه رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غِبْتُ عَنه! فإنْ أراني اللهُ مَشهَدًا فيما بَعدُ مَعَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليَرينَّ اللهُ ما أصنَعُ، قال: فهابَ أنْ يَقُولَ غيرَها. قال: فشَهدَ مَعَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ أحُدٍ، قال: فاستَقبَلَ سَعدَ بنَ مُعاذٍ فقال له: أينَ؟ فقال: واهًا لِريحِ الجَنَّةِ أجِدُه دُونَ أحُدٍ! قال: فقاتَلَهم حَتَّى قُتِلَ، قال: فوُجِدَ في جَسدِه بضعٌ وثَمانُونَ مِن بينِ ضَربةٍ وطَعنةٍ ورَميةٍ، فقالت أختُه، عَمَّتي، الرُّبَيِّعُ بنتُ النَّضْرِ: فما عَرَفْتُ أخي إلَّا ببَنانِه! ونَزَلَت هذه الآيةُ من سورة الأحزاب: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ“، قال: فكانوا يَرَون أنَّها نزلت فيه وفي أصحابِه)، فهذا أنَسُ بنُ النَّضرِ عَزَم عزمًا صادِقًا، ولَمَّا خرج الكلامُ من فمِه، هاب أن يقولَ غيرَه، أو يستثنيَ، ثمَّ لَمَّا جاءت غزوةُ أحُدٍ،وحدث بها من الأهوالِ والهزيمةِ للمُسلِمين، لم يتراجَعْ، بل أكمَل عمَلَه بصِدقٍ، حتى أنزل اللهُ سُبحانَه تصديقَه في عزمِه وفي وفائِه به بالعمَلِ.
5 – الصِّدقُ في الأعمالِ والأفعالِ:
وهو أن يجتَهِدَ حتى لا تدُلَّ أعمالُه الظَّاهرةُ على أمرٍ في باطنِه لا يتَّصِفُ هو به.
ولا يتحقَّقُ الصِّدقُ في الأعمالِ إلَّا باستواءِ السَّريرةِ والعلانيةِ، بأن يكونَ باطِنُه مثلَ ظاهِرِه أو خيرًا من ظاهِرِه. ويسمى صدق الحال: لاستواء السريرة والعلانية في الأعمال والمعاملات.
6 – صدق الطلب، أي الصِّدقُ في مقاماتِ الدِّينِ:
بأن تكون الهمّة جادّة في السعي للمعالي مع مواجهة العقبات. وهو أعلى الدَّرَجاتِ وأعزُّها، ومن أمثلتِه: الصِّدقُ في الخوفِ والرَّجاءِ، والتَّعظيمِ والزُّهدِ، والرِّضا والتَّوكُّلِ، وغيرِها من الأمورِ. ومن اتَّصف بالصِّدقِ في جميعِ ما سبق فهو صِدِّيقٌ.
المحور الثالث: فوائِدُ الصِّدقِ
1 – الصِّدقُ طريقُ الأبرارِ إلى الجنَّةِ.
2 – الصدق من أسبابِ محبَّةِ اللهِ والقُربِ منه.
3 – الصَّادِقون يحبُّهم النَّاسُ ويَثِقون بهم ويأتمِنونَهم في سائِرِ مُعاملاتِهم.
4 – الصِّدقُ يرفَعُ قَدْرَ صاحِبِه.
5 – الصِّدقُ يرفَعُ الأعمالَ ويُعلي شأنَها.
6 – الصِّدقُ دليلُ القُوَّةِ وسِمةُ الثِّقةِ بالنَّفسِ.
7 – الصِّدقُ مَنجاةٌ.
8 – الصِّدقُ في الحديثِ يجعلُه مؤثِّرًا في القلوبِ.
9 – الصَّادقُ محشورٌ مع النَّبيِّين والشُّهداءِ والصَّالحين.
10 – حصولُ البَركةِ في الأعمالِ والأموالِ، ومن ذلك حُصولُ البركةِ في البيعِ والشِّراءِ، كما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ( البَيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفَرَّقا –أو قال: حتى يتفَرَّقا-، فإن صدَقَا وبَيَّنَا بورِكُ لهما في بيعِهما، وإنْ كَتَما وكَذَبا مُحِقَت بَركةُ بَيْعِه ). (حُصولُ البركةِ لهما إن حَصَل منهما الشَّرطُ، وهو الصِّدقُ والتَّبيينُ، ومَحْقُها إن وُجِد ضِدُّهما، وهو الكَذِبُ).
11 – انشراحُ الصَّدرِ وسكينةُ النَّفسِ.
12 – الصِّدقُ يُبعِدُ صاحِبَه عن النِّفاقِ.
13 – يؤدِّي إلى تماسُكِ المجتمَعِ وترابُطِ أفرادِه.
14 – الصِّدقُ هو طريقٌ إلى علُوِّ المنزلةِ بَيْنَ النَّاسِ؛ يقولُ ابنُ القَيِّمِ في الصِّدقِ: إنَّه (منزِلُ القومِ الأعظمُ الذي منه تنشَأُ جميعُ منازِلِ السَّالكين…، ومن نطَق به علَت على الخصومِ كلِمتُه، فهو روحُ الأعمالِ، ومحكُّ الأحوالِ،… وهو أساسُ بناءِ الدِّينِ، وعمودُ فُسطاطِ اليقينِ، ودرجتُه تاليةٌ لدرجةِ النُّبُوَّةِ،… وقد أمَر اللهُ سُبحانَه أهلَ الإيمانِ أن يكونوا مع الصَّادقين، وخَصَّ المنعَمَ عليهم بالنَّبِّيين والصِّدِّيقين والشُّهَداءِ والصَّالحين، فقال تعالى في سورة التوبة : “ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ“).
المحور الرابع: عناصر الصدق في السلوك الجهادي
عناصر الصدق يشمل:
1 – صدق النية في العمل الجهادي من أجل وجه الله دون رياء أو طمع.
2 – الوفاء بالعهد والالتزام بما عاهد عليه الإنسان مع ربه ومع الجماعة.
3 – الحفاظ على الأمانة ونقل الرسالة والدعوة بصدق دون تحريف.
4 – الاتصاف بالصراحة والوضوح في المواقف والقول والعمل، مع رفض التفريط أو المراوغة.
5 – الانضباط في الجماعة مع الصدق في العطاء والبذل المالي والنفسي وفق منهج الرباط الجماعي.
المحور الخامس: الصدق كقاعدة في تكامل الإيمان والجهاد
ينبغي التأكيد هنا على التكامل بين الجانب الإيماني، والجانب الجهادي، فالإيمان الصادق، هو الأساس الذي يثمر الشجاعة والإرادة للحركة المجاهدة الصادقة، وهو ما يعبر عنه بالسلوك الجهادي، الذي يجمع على صحبة جماعية وثيقة، وإرادة اقتحام في النفوس. هذا السلوك؛ يتطلب من المجاهد أن يكون في تواصل دائم مع الله تعالى، وكتابه العزيز، لا يفرق في أمر الله، كما أن السلوك الجهادي هو امتداد لسلوك الصحابة أهل الحق، الذين تأصل فيهم الصدق بين ما يقولون وما يعملون.
باختصار، الصدق الجهادي هو التزام شامل بمبادئ الحق، والإخلاص، والوفاء، والشفافية، وهو ركن رئيسي يجعل من الجهاد عملية روحية ومنهج حياة مجتمعية متكاملة، لا تقتصر على معارك القتال فقط، بل تشمل إثبات التزام عميق بالأخلاق والقيم الإسلامية في كل ميدان.
المحور السادس: كيف يؤثر الصدق في القيادة؟
يؤثر الصدق تأثيراً جوهرياً في القيادة التي يرأسها القائد، حيث يشكل أساساً للاستعداد الحقيقي للانخراط في العمل الجماعي، والإيمان الصادق برسالة الجماعة. فالصدق يضمن توحيد الإرادة، وطول النفس عند الأعضاء، مما يمكنهم من إنجاز المهمات الجهادية حتى النهاية بثبات وصبر، ويُعد الصدق ركيزة للديناميات الداخلية في الجماعة، خصوصاً في مواجهة الضغوط السياسية والاجتماعية.
والصدق صفة أساسية في المرشد والقائد، لأن صدق النية، والقول، والعمل، يعزز الثقة بين أعضاء الجماعة، ويقوي الروح الجماعية، ويساعد في الحفاظ على الوحدة والاستمرارية. ويعتبر الصدق أيضاً قوة دافعة ومحركة للأداء الجماعي لهدف الجماعة، كما أنه يُمثل الصفة اللازمة لكل مقامات السلوك التربويوالسياسي في المسيرة الجهادية.
وفي قيادة الجماعة، يعتبر الصدق ضرورة تحري الأقوال والأفعال، ليكون القائد والصادقون معه قدوة في الوفاء بالعهد، والشفافية مع الجماعة، والصراحة في المواقف السياسية والدعوية. هذا الصدق هو ما يمنح الجماعة مصداقية في عيون أعضائها وأفراد المجتمع، ويساعد على بناء سلوك جماعي متماسك قادر على مواجهة التحديات.
باختصار، الصدق يؤسس لقيادة يضرب بها المثل في الالتزام بالقيم، ويخلق بيئة من الثقة المتبادلة والتقوى الجماعية، وهو سبب رئيسي في صمود واستمرارية مشروع الجماعة المجاهدة في المشهد الإسلامي والسياسي.
المحور السابع: دور الصدق في شرعية القرارات القيادية بالجماعة
يقوم الصدق بدور حاسم في شرعية القرارات القيادية داخل الجماعات، فهو من القيم الجوهرية التي تبني الثقة بين القائد والجماعة، مما يضمن قبول القرارات وتنفيذها بوعي وإخلاص. والقيادة التي تستند إلى الصدق، تكون أكثر قدرة على تحقيق العدالة والرشادة في إصدار القرارات، وتعزز شعور الجماعة بالرضا والتوافق، وهو ما ينعكس على قوة التماسك الداخلي واستمرارية المشروع.
ومن منظور القيادة الإسلامية، فإن الصدق في القول والعمل، يَحقق التزام القائد بالمبادئ الإسلامية، ويجعل من قراراته توافقيّة ومرتكزة على مصلحة الجماعة، لا على أهواء شخصية، أو مصالح ضيقة. هذه الصدقية، تعزز من شرعية القرارات،لأنها تضمن مطابقتها لما يريده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لرغبة الجماعة في السير على طريق الحق.
علاوة على ذلك، الصدق في القرارات؛ يقتضي وضوحها وشموليتها والتزامها بالعدالة، فلا يمكن أن تكون القرارات شرعية إذا كانت مبنية على الخداع أو التلاعب بالمعلومات، كما أن القائد الصادق، يكون قدوة في الوفاء بالعهد، وتحمل المسؤولية، وهذا هو عنصر أساسي في بناء قبول الجماعة للقرارات ومتابعتها بتنفيذها بإخلاص. وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، تشير إلى الصدق كمدخل رئيس لكل القيم القيادية التي تحقق المصلحة العامة، وتحرص على مبدأ الشورى واحترام الجماعة.
بالتالي، يعد الصدق ركيزة أساسية في شرعية القرارات القيادية، لأنه يعزز مصداقية
القائد، ويكفل توافر إرادة حرة واعية في الجماعة، ما يحقق الالتزام الجماعي،ويوصل إلى نتائج حقيقية وصحيحة في مسيرة الجماعة ودورها.
الخاتمة
يُعدُّ الصدق أساس السلوك الجهادي الشامل، الذي يجمع بين الإصلاح الذاتي والجماعي نحو إقامة العدل والإحسان.
1 – أهمية الصدق الجهادي
يرتبط الصدق بالتوبة والتربية، باعتباره عماد الجهاد الذي يبدأ من تهذيب النفس قبل الجماعة، مستلهمًا من السلوك إلى الله ، وحضور القرآن في الذهن لتجنُّب النفاق والأنانية. فالسلوك الجهادي ليس قتالًا سطحيًا، بل جهاد نفسي يُطَهِّر القلب من الهوى.
2 – دور الصدق في الجماعة
في تأسيس العمل الحركي الإسلامي، يعتبر الصدق شرط الالتزام الجماعي، إذيُمَيِّزُ الصادقَ من المنافق، ويُعِدُّ للزحف نحو الأمة بمحورية جهاد التربية. ويجب اتهام النفس بالتقصير، كما فعل الصحابة رضوان الله عليهم، ليُعَظِّمَ الفرد الإخوان، ويُطَوِّرَ السلوك نحو الطاعة الكاملة.
لذا، يبقى الصدق مفتاح الجهاد الناجح، يُحَقِّقُ الإصلاحَ الشخصيَّ والاجتماعيَّ، مُدْخِلًا المسلمَ في صفوف المجاهدين الصادقين الذين يُطْلِعُونَ وجهَ اللهِ، مُسْتَجِيرِينَ بِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ الْأَمْنُ فِي الْأُمَّةِ.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.




