أخبار الجمعيةالكلمة الأسبوعيةعامقضايا

بعد مرور عام على طوفان الأقصى

تحركت كتائب عز الدين القسام، ومن بعدها فصائل المقاومة في مواجهة جديدة ونوعية ضد قوات الاحتلال، فكانت الصدمة العنيفة التي أصابت العدو في مقتل، وأفقدته تركيزه، وأظهرت ضعف قوته، وزيف إنسانيته، وهشاشة بنائه سواء الأمني أو العسكري. ولذلك كانت ردة فعله كالكلب المجروح المسعور يضرب في كل مكان، ولا يهتم أصابت ضربته موقعا مدنيا أم عسكريا، واستطاع تفعيل علاقاته الدولية وخاصة في الغرب للتغطية عليه، بل وحمايته وإعطائه المشروعية التامة في ما يسمونه “حق الدفاع عن النفس”، وكان للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعدد من الدول الأوروبية الدور الأكبر والمباشر في هذه التغطية والحماية.
لقد أظهرت هذه المعركة -التي أصبحت طوفانا بحق- طبيعة العدو الحقيقية، وظهرت عيانا لكل ذي بصر وبصيرة همجيته واستباحته للدماء، فلا فرق لديه بين مدني ومقاتل ولا بين طفل ورجل أو رجل وامرأة، ولقد أظهرت الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية بشاعة المشهد، حتى عبّر عنه الأمين العام أنطونيو غوتيريش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في الشهر الماضي سبتمبر: “إن ما يحصل لا يمكن تصوّره، مستوى المعاناة في غزة، ومستوى الموتى والدمار، وهذا أمر لا مثيل له في كل ما تابعته منذ أن أصبحت أمينًا عامًا في 2017م”، وبسبب هذا التصريح اتهمه الكيان المحتل بالخرف.
لقد بلغ عدد الشهداء أكثر من 41 ألفا ما بين شهيد ومفقود، من بينهم أكثر من 16 ألف طفل، وأكثر من 11 ألف امرأة، ولو أردنا سرد كل البيانات لما وسعنا المقام فقد شملت القائمة الإعلاميين والطواقم الطبية والإغاثية والعاملين في المنظمات الدولية، ومقارّ الإيواء والمستشفيات والمدارس، وفي كل مرة يتحجج العدو بأن المقاومة تتخذ من هؤلاء درعا لهم، والمقاومة تنفي، ولم يتمكن العدو من تسجيل دليل واحد يؤكد مزاعمه.
في المقابل اتسمت المقاومة بالشرف والشجاعة والالتزام بالأخلاق النبيلة طوال هذه الحرب سواء في التعامل مع الأسرى لديها أو قتال العدو، فلم يثبت ولا مرة واحدة استهداف مواقع مدنية (مستشفيات، مدارس، أماكن إيواء، أو ملاجئ) على العكس؛ مما فعله العدو الغاشم، كما ظهر معدن أهلنا في غزة والضفة من صبر واحتساب، وإنسانية وتضحية ذكرتنا بأسلافنا من صحابة رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم، وتضحياتهم العظيمة وبذلهم في سبيل دينهم، وهذا الصبر والثبات قد كان له أبلغ الأثر في الرأي العام العالمي، فقد سجلت إحصائيات الدخول للإسلام في أوروبا وأمريكا تزايد الأعداد أربعة أضعاف عما كانت عليه قبل الطوفان، كما أثرت في مواقف كثير من الناس وخاصة الشباب، وقد كان واضحا في موقف طلبة الجامعات في أمريكا ومطالباتهم لجامعاتهم بإيقاف التعاون مع المؤسسات والشركات التابعة للكيان المحتل، وما أحدثه هذا الموقف من تغيير في الرأي العام الغربي تجاه القضية الفلسطينية، وتغيير اتجاه التعاطف إلى تبني الرؤية الفلسطينية والمطالبة بإيقاف الحرب والعمل على تطبيق حل الدولتين.
لقد كانت القضية الفلسطينية والقدس الشريف على وشك الدخول في نفق التطبيع والتمييع، وأصبحت صفقة القرن قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح حقيقة وأمرا واقعا، ولكن جاء الطوفان ليدمر كل هذه المخططات، ويعيد للقضية حيويتها، ويبعث الأمل في نفوس الشعوب العربية والإسلامية لتحرير المسجد والأراضي الفلسطينية بالكامل، ويعود النداء عاليا من جديد بالتحرير الكامل والشامل.
بعد مرور عام كامل على انطلاقة طوفان الأقصى تغيرت أشياء كثيرة، تغيرت النظرة العامة للإسلام، وأصبح الباحثون في طبيعة هذا الدين وما يدعو إليه تزداد، وتغيرت النظرة إلى القيم الغربية التي ظهر عوارها وكيلها للأمور بمكيالين، وتحركت في نفوس شعوب العالم الإسلامي معالم الثقة والاعتزاز بهذا الدين، وتغيرت النظرة والقيمة التي كانت تعطى للكيان المحتل، وأصبح مفضوحا، ظهرت معالم الهمجية والدموية في سلوكه، واتضحت كثير من معالم الحق في القضية الفلسطينية، وحق هذا الشعب في العودة إلى أراضيه واسترجاع حقوقه المسلوبة.
إن العالم مقبل على وضع جديد خلال العام الثاني للطوفان، ولن يعود إلى ما كان عليه، رغم رغبة القوى الغربية في امتصاص الغضبة وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، وقد تعطل قطار التطبيع إن لم نقل أُلغي بالكامل، ولا يستطيع أحد الحديث عنه الآن.
في هذه الحالة لا بد من التساؤل عما يجب على عموم المسلمين وخاصتهم تجاه هذه القضية، وهنا لا بد من البداية الصحيحة بالرجوع إلى الله تعالى بالتوبة النصوح والالتزام بأحكام دينه، ومن ثم استكمال كل عدد القوة بجميع أنواعها، ويأتي بعد ذلك نشر ثقافة أنه لدينا الحق كل الحق باستعادة الحقوق بكل الوسائل المشروعة، والثقة في الذات الجمعية للأمة، وقبل ذلك الثقة في نصر الله وموعوده لعباده الصالحين.
وعلى العموم، فإن واجبنا الشرعي والأخلاقي يحتِّم علينا اليوم أن نتعاهد على تصعيد مستوى المشاركة بكافة الخيارات الممكنة، وتحمل قسطا من أعباء هذه المعركة ليكون المشهد مع بداية العام الثاني لطوفان الأقصى أفضل وأقوى مما كان عليه في العام الأول، ولعلنا نحولها إلى معركة طوفان الأمة الهادر الذي لا يتوقف؛ حتى يؤخُذ الحق لأهله كاملا غير منقوص، {وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اَللَّهِ بِعَزِيز}، {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَّكُونَ قَرِيبا}.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى