عاممقالات تربوية

توجيهات تربوية من سورة الحجرات

أ. محمد العوامي

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)﴾ [الحجرات]

□ هذه الآيات تحمل قيمًا تربوية عالية تدل على أهمية الأدب والاحترام في التعامل مع النبي ﷺ وتقدير كلامه وتعاليمه في حياته وبعد موته ﷺ عند قراءة حديثه كما كان يفعل الإمام مالك وأئمة السلف…
□ هذه القيم ليست قيودًا اجتماعية، بل هي أساس لبناء مجتمع متماسك يرتكز على الاحترام المتبادل والأخوة الإيمانية.

○ قال ابن القيم: “وإذا كان سبحانه قد نهاهم أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته، فكيف برفع معقولاتهم فوق كلامه وما جاء به؟”

○ وقال السعدي في تفسيره: “وفي هذا النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول ﷺ على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله ﷺ وجب اتباعها وتقديمها على غيرها كائنًا ما كان.”

○ وقال القرطبي: “وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره ﷺ، وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفًا لهم؛ إذ هم ورثة الأنبياء.”

○ وقال السعدي: “ذمهم الله بعدم العقل؛ حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله ﷺ، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب؛ فأدب العبد عنوان عقله وأن الله مريد به الخير.”

○ الأثر التربوي للأدب مع الله ورسوله ﷺ:

▪️ الاحترام والتقدير: تنطلق الآيات بنداء خاص للمؤمنين، تأمرهم بعدم التقدم بين يدي الله ورسوله ﷺ، وهذا الأمر يعكس ضرورة الاحترام والتقدير لأوامر الله وسنة رسول ﷺ، وعدم التسرع أو الاندفاع قبل أن يتبين لهم الحكم الشرعي.
فالتربية على الاحترام تبدأ من احترام الكلام الإلهي والنبوي، مما يعزز مكانة القيادة الدينية في النفوس.

▪️ الوعي والانضباط: تتضمن الآيات توجيهات واضحة بشأن كيفية التحدث مع النبي ﷺ، وذلك بخفض الصوت وعدم الجهر بالكلام أمامه. هذه التوجيهات تزرع في النفوس الوعي والانضباط، حيث يتعلم الفرد أن الأدب في الحديث ليس مجرد سلوك ظاهري، بل هو تعبير عن انضباط داخلي واحترام عميق.

▪️ اتباع السنة النبوية: يشير ابن القيم إلى أن رفع العقول والأفهام فوق كلام النبي ﷺ يعد من الأمور المذمومة، فعندما تتضح سنة الرسول ﷺ يجب اتباعها وتقديمها على أي رأي أو قول آخر. هذا المبدأ يعزز في النفوس أهمية الرجوع إلى المصادر الأصلية للتشريع الإسلامي والتمسك بها، مما يحفظ وحدة الفهم الديني ويقلل من التفرق والاختلاف.

▪️ احترام العلماء: توضح تفسيرات العلماء مثل القرطبي والسعدي أهمية احترام العلماء وعدم رفع الصوت في مجالسهم، معتبرين ذلك جزءًا من الأدب الواجب تجاه ورثة الأنبياء.
هذا الأدب يغرس في المجتمع قيمة احترام العلم والعلماء، مما يشجع على طلب العلم وتقدير العلماء كمصادر للمعرفة والحكمة.

▪️ تربية على العقلانية: تعتبر الآيات أن عدم احترام النبي ﷺ وعدم الالتزام بآداب الحديث معه دلالة على نقص العقل، وهذا يبرز أن الأدب ليس مجرد سلوك خارجي، بل هو دليل على العقل والرشد. فالتربية الإسلامية تهدف إلى تنشئة أفراد يستخدمون عقولهم في التمييز بين الصواب والخطأ، وبين الاحترام والتجاوز.

▪️ غرس القيم الأخلاقية: إن الالتزام بهذه التوجيهات النبوية يعكس تطبيق القيم الأخلاقية التي يدعو إليها الإسلام. فالأدب مع النبي ﷺ، والاحترام والتقدير، والصبر والانضباط، كلها قيم تعزز من الأخلاق الحميدة التي تعتبر أساس بناء شخصية المسلم.

□ إن هذه الآيات الكريمة من سورة الحجرات تقدم لنا منهاجًا تربويًا متكاملاً يقوم على أساس الاحترام والأدب والتقدير لكل ما جاء به النبي ﷺ. وهي تدعو المسلمين إلى الانضباط والوعي واحترام العلماء والتفكر العميق. هذه القيم إذا تم غرسها بشكل صحيح في النفوس، فإنها تؤدي إلى بناء مجتمع قوي، متماسك، يحترم أفراده بعضهم البعض، ويقدرون العلم والعلماء، ويسعون جاهدين لاتباع سنة الرسول ﷺ في جميع شؤون حياتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى