مقالاتمقالات تربوية

“ثورة التغيير الرمضاني”

أ. عبد السيد الشريف

التغيير سنة كونية، وضرورة حياتية، وواقع معاش في حياة البشر والدول والمجتمعات والعالم والبشرية كلها. إن تغيير الإنسان ليتحول إلى (إنسان مستقيم وفعال) هو هدف عملية التغيير الإسلامي، التي تتم من خلال عملية شاملة تربويا ومجتمعيا وإعلاميا؛ إلا أن التغيير بمفهومه العام، هو التحول من حال إلى حال، إما بشكل جزئي أو كلي، سواء كان تحولا إيجابيًا، أم سلبيًا.
غير أن القرآن الكريم يعرض معنى محددًا للتغيير في عدد من الآيات الكريمة، فقد ورد لفظ التغيير في قوله تعالى: “ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” الأنفال: ٥٣
وفي قوله سبحانه: “لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ” الرعد: ١١
يعرض القرآن في الآيتين السابقتين، التغيير السلبي، وهو سلب النعمة وتردي الأوضاع إلى الأسوأ، قال العلامة السعدي رحمه الله: ({إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ}) من النعمة والإحسان ورغد العيش ({حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم}) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها، فيسلبهم الله إياها عند ذلك.
لو أردنا تفكيك وتحليل عنوان المقال نجده يحتوي على ثلاث كلمات أو مصطلحات “ثورة – تغيير – رمضان” لنشرح الكلمات كلمة كلمة.
الأولى: ثورة مصدر ثارَ.
الثَّوْرَة: تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية يقوم به الشعب في دولةٍ ما (كلمة محدثة).
والتثوير هو قلب وتقليب التفكير في عدة اتجاهات، ومنه جاءت كلمة ثورة، وهي عبارة عن تغيير للوضع الراهن وقلب للنظام الحالي ومنها جاءت (ثورات الربيع العربي)..
مادة ثار يثور ثورة، من حيث اللغة، تفيد الهياج وحدَّة الغضب؛ تقول: ثار الدخان والغبار وغيرهما، يثور ثورًا وثورانًا: ظهر وسطع…وفي التنـزيل قوله تعالى: {وأثاروا الأرض} (الروم:9) أي قلبوها للزراعة والحرث؛ وكل ما استخرجته أو هجته، فقد أثرته. وثوَّرتُ الأمر: بحثته؛ وثوَّر القرآن: بحث عن معانيه وعن علمه ومقاصده…. وتغيير النفس هو ثورة حقيقية على النفس وشهواتها وأهوائها.
المصطلح الثاني: التغيير
التغيير هو التبدل أو التحول.
هو عملية التحول أو انتقال من الواقع الحالي للفرد أو المنظمة إلى واقع آخر منشود مرغوب في الوصول إليه خلال فترة زمنية محددة بأساليب وطرق معروفة لتحقيق أهداف معينة.
المصطلح الثالث: “الرمضاني” نسبة إلى شهر رمضان الكريم.
ورد في معجم لسان العرب أن رمضان من المصدر “رمض”.
والرمض والرمضاء: شدة الحر. والرمض: حر الحجارة من شدة حر الشمس، وقيل: هو الحر والرجوع عن المبادي إلى المحاضر، وأرض رمضة الحجارة. والرمض: شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، والأرض رمضاء.
وشهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش.
ومنها أنه يرمض الذنوب، أي يغسلها بالأعمال الصالحة.
لماذا اختيار رمضان للتغيير؟
الناجح الذكي هو ذلك الذي يغتنم الفرص ويستغلّ المواسم وكيف يجعل منه نقطة تغيير نحو الأفضل؟! وذلك لكون رمضان أفضل المواسم لأسباب كثيرة منها:
1. إنه شهر: الخيرات والبركات، والأجر والثواب والهبات، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عِتق من النار، نزل فيه القرآن، وتُربَّط وتصفَّد فيه الشياطين يختار الله فيه عباداً فيُعتقهم من عذاب النار. روى الترمذي وصححه الألباني رحمه الله أنه، صلى الله عليه وسلم، “قال: إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ”
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح هذا أوان تبتل وصـــلاح
واغنم ثواب صيامه وقيامه تسعد بخير دائم وفلاح
2. إنه وقت مناسب لاغتنامه والمحروم من حرم أجره، قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏”رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم ‏انسلخ‏ ‏قبل أن يغفر له” رواه مسلم

أتى رمضان مزرعة العبــاد * لتطهير القلوب من الفساد
فمن زرع الحبوب وما سقاها * تأوه نادماً يوم الحصـــــاد
3. . البرمجة النفسية والاستعداد النفسي: أكد علماء النفس أن التغيير يتحقق بالتكرار للسلوك ليصير عادة من 6 إلى 21 مرة، مع تخيل النجاح والاسترخاء والاقتناع بالنجاح ثم الإقدام على الفعل، ورمضان تكرار 30 مرة بلا انقطاع.
وهناك كتاب قوة العادات مترجم من مكتبة جرير للمؤلف ريتشارد دويخ وكتاب إستراتيجيات التغيير الفعال د.صلاح الراشد
4. التجديد: وكَسْر الرَّتابة (الروتين) في مواعيد النوم والأكل والخروج من البيت، والتجديد من أهم وسائل الإبداع. أكل وشرب طوال السنة فشهر رمضان يعتبر كسرًا للروتين.
5. تنظيم الوقت: فكله مواعيد محددة رغَّب الشرع بالانضباط بها أو أوجبها، كالإمساك عند الفجر، والإفطار، وصلاة التراويح، ومواعيد إقامة الصلاة في المساجد، وصدقة الفطر.
6. بيئة الصائمين بيئة مشجعة للتغيير لأن الكل قد كسر روتينه والنفسية مستعدة للتغيير.
7. الهدف العام من الصيام لعلكم تتقون يعني إحداث تغيير جذري وعام وشامل وهو المقصد والهدف الرئيسي من الصيام. عن أبي هريرة قال قال عليه الصلاة والسلام: “من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ ، فليسَ للَّهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ” صحيح البخاري
8. وقت مناسب وأجر كبير للمجاهدة في التوبة والتغيير للأفضل، قال تعالى: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” (69) العنكبوت.
9. العبادات القلبية هي أفضل من عبادة الجوارح وهي الأساس للصلاح كما في حديث “إنما الأعمال بالنيات”، والصوم أكبر مدرسة للعمل القلبي. فعن أبي هريرة: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا، إلى سَبْع مِائَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّه لي، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. البخاري ومسلم.
10. شهر رمضان شهر القرآن، والقرآن من أعظم وسائل التغيير والصلاح قال تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ”…

في الجزء الثاني من المقال القادم سوف نتكلم عن قواعد التغيير، ومجالات التغيير، وما هي الخطوات اللازمة لإحداث عملية التغيير؟

اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا يا رب العالمين، اللهم اجعل أعمالنا صالحة ولك خالصة ولا تجعل لأحد فيها نصيبا…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى