كيف تنهض الأمم والشعوب.

د. سالم بوحنك
إن الحضارة هي ثمرة التفاعل بين ثلاثة مكونات وهي: الإنسان، والحياة والكون، حيث تُحقق الحضارة ثلاثة أهداف؛ إشباع حاجة الجسد، وتحقيق التعايش المجتمعي، وتحقيق السعادة الأبدية.
إن مما لا شك فيه أن كل أمة من الأمم أو شعب من الشعوب يظن أنه الأفضل، ويسعى لأن يكون الأمثل، بل الأقوى، ويود أن تكون له القيادة والريادة، وذلك من خلال مسألتين مهمتين، وهما: حضارة يبنيها، ورسالة يؤديها.
الرسالة التي يحملها الشعب أو الأمة هي التي كانت الأساس لنهضته، وعليها يبني حضارته، ولذلك فهي تنعكس على الأخلاق والسلوك التي يتبناها هذا الشعب. ولو استعرضنا الأمم والشعوب على مر التاريخ، لوجدنا ذلك واضحا وجليا..
فالحضارة التي نشأت في الهند، بنيت على أساس ديني. يعتمد التقسيمات الاجتماعية الخمسة؛ (البراهمة والكشتاريون والفيشاويون والشودرا والمنبوذون) ضمن نظام صارم لم يتمكن أحد من كسره إلى الآن؟
الحضارة السومرية التي نشأت بين النهرين دجلة والفرات، كان بناؤها الحضاري على أساس من الدين أيضا. وهكذا، فإن أساس أي حضارة هي الفكرة التي تعتمد عليها في تحديد هويتها، ونظرتها للكون والحياة، وتتحكم في سلوكها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وعندما جاء الإسلام ببعثة النبي محمد ﷺ، واجهته الفكرة الطاغية في ذلك الوقت؛ (تعدد الآلهة وتحكم طبقة الأغنياء) لأنه ببساطة، سيحطم تلك الفكرة جملة وتفصيلا، وينشئ نظاما جديدا له نظرته المحددة للكون والحياة، تعتمد على توحيد العبودية لله سبحانه وتعالى، وتستمد شريعتها منه دون غيره. حضارة حدد مهمتها في عبارة خلَّدَها التاريخ لربعي بن عامر حيث قال: (لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)، فالإسلام مبدأ الفكرة هو توفير جو من الحرية التي تساعد الإنسان على الاختيار الحر والحقيقي للدين الذي سيتبعه، وكذلك يتيح له المجال للإبداع والبناء والتعمير، ولو استقرأنا التاريخ الإسلامي لوجدنا هذه الظاهرة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فقد أتاح الفتح الإسلامي لكل البلاد التي دخلها سلما أو حربا، أتاح لها حرية الاعتقاد وحرية العبادة وحرية التفكير وحرية الحركة والنشاط، بل وأوجد البيئة الصالحة للإبداع، فشارك في بناء الحضارة الإسلامية كل الشعوب التي دخلت تحت حكم الإسلام، بل وكانت مزارا لكل الباحثين عن العلم وحرية الفكر والحركة، ولم تجد الديانات المختلفة بيئة من الحرية كما وجدته في ظل الدولة المسلمة، وكان هذا سواء في المشرق الإسلامي وعاصمته بغداد، أو في الأندلس وما بعدها، بينما لا نجد هذه الحرية وحماية الحقوق عند بقية الأمم والأديان، فعندما احتل الصليبيون الأندلس أعملوا السيف في كل من خالف دينهم، سواء من المسلمين أو اليهود، وعندما دخل الصليبيون القدس لم يسلم المسيحيون الأرثوذوكس من القتل من إخوانهم الكاثوليك، وكذلك التتار، واليوم الهندوس وما فعلوه بالمسلمين حين انفصلت باكستان عن الهند، وما يفعله الصينيون بالمسلمين من قتل جماعي واستلاب أموالهم وانتهاك أعراضهم.
إن المتتبع للتاريخ بإنصاف سيجد أنه الدين الوحيد الذي يضمن لكل إنسان الحياة الكريمة، وحرية الاعتقاد والتعبير والتفكير، كما أنه يشجع الجميع على التفكير الحر والبحث والاكتشاف، وقد وجدت كل الأفكار على مدار التاريخ البيئة المناسبة، وكان الحوار الفكري الراقي متاحا للجميع، ولكنه يفقد حريته ورونقه عندما يتخذ من السياسة والحكم وسيلة لدعمه والانتصار له.
تاريخنا يعطينا الدليل القوي على صلاحية هذا الدين للنهوض بالأمة مرة ثانية، فقد نجح في المرة الأولى نجاحا عظيما، وفي فترة وجيزة، فضلا عن اعتقادنا الجازم بأن هذا الدين من عند الله، ونؤمن بصلاحيته للنهوض بالبشرية جميعا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَۖ﴾، ﴿قُلْ يَٰأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنِّے رَسُولُ اُ۬للَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً اِ۬لذِے لَهُۥ مُلْكُ اُ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالْأَرْضِۖ﴾، وهذا مما يقوي بارقة الأمل، ويبعث الهمة في النفوس إلى العمل على النهوض بأمتنا وفق تعاليم ديننا الحنيف، بالإضافة إلى أن الضعيف لا يبقى ضعيفا إلى الأبد، والقوي كذلك.