مقاومة الفساد فريضة شرعية وضرورة اجتماعية
عوامل بناء المجتمعات والهيئات والدول أساسها العدل والحق، ومعاول هدمها الفساد بأنواعه المختلفة، وقد حذرنا القرآن الكريم من الفساد، فقال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا)، وقال تعالى: (وَلَا تَبْغِ اِ۬لْفَسَادَ فِے اِ۬لْأَرْضِ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ اُ۬لْمُفْسِدِينَۖ)، بل وبين أسباب ظهور الفساد، فقال تعالى: ( ظَهَرَ اَ۬لْفَسَادُ فِے اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِے اِ۬لنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ اَ۬لذِے عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَۖ )، وأن النجاة في مقاومة الفساد، حيث يقول سبحانه: ( فَلَوْلَا كَانَ مِنَ اَ۬لْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنْهَوْنَ عَنِ اِ۬لْفَسَادِ فِے اِ۬لْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاٗ مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْۖ وَاتَّبَعَ اَ۬لذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَۖ )، وأخبرنا بهلاك السابقين بسبب الفساد ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِے اِ۬لْأَوْتَادِ اِ۬لذِينَ طَغَوْاْ فِے اِ۬لْبِلَٰدِ فَأَكْثَرُواْ فِيهَا اَ۬لْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍۖ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِۖ ﴾، ووصف قوما بأوصاف المذمة والنقص من بينها الفساد في الأرض، فقال تعالى: ﴿ اَ۬لذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اَ۬للَّهِ مِنۢ بَعْدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اَ۬للَّهُ بِهِۦ أَنْ يُّوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِے اِ۬لْأَرْضِۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْخَٰسِرُونَۖ ﴾، وقال: ﴿ اَ۬لذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اِ۬للَّهِ زِدْنَٰهُمْ عَذَاباٗ فَوْقَ اَ۬لْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَۖ ﴾. وقد تكررت كلمة الفساد ومشتقاتها في القرآن الكريم نحو 50 مرة، محذرا منها، ومتوعدا أصحابها بالعذاب، ومبينا أنها سبب الهلاك والشقاء، وحذر من المفسدين وبين صفاتهم وعلاماتهم.
ولكي تنهض بلادنا وتصبح في مصاف الدول المتقدمة والرائدة، وحتى تعود أمتنا إلى كرسي القيادة لابد أن نواجه الفساد الذي استشرى في جنباتها، فأضعف قوتها، وجعلها فريسة سهلة للأعداء، ومن الضروري أن نعي أشكال الفساد المتعددة ونعمل على مواجهتها وإزالتها من مجتمعنا؛ فيكون البناء على أساس من العدل والحق.
أبناء الوطن في عمومه ينادون في كل وقت وحين إلى محاربة الفساد في جميع مواطنه وأشكاله، وكثير من المؤسسات والهيئات تحاول جهدها للعمل على مواجهته واقتلاعه من جذوره، ولكن تذهب كل هذه المطالب هباء، وتضيع الجهود سدى، ويظل المواطن يعاني من آثاره وسلبياته.
إننا في اليوم العالمي لمكافحة الفساد؛ ندعو جميع أبناء الوطن الأحرار وكل المؤسسات العاملة التي تسعى لبناء الوطن إلى توحيد الجهود ورص الصفوف في مواجهة هذا الأخطبوط الممتد، ومواجهة أدواته بما يكافئها ويردعها.
لابد أن نبدأ من أنفسنا ونعلم أن الموظف الذي يقصر في أداء وظيفته هو في الحقيقة يناصر الفساد وينشره، والذي يقبل الرشوة مقابل عمله هو من عصابة الفساد، والذي يعطل مصالح الناس من أجل دفعهم إلى إعطاء الرشوة من أسوإ أدوات الفساد، والذي يهمل في الحفاظ على مقدرات البلاد ولا يضعها في موضعها، والذي يعتدي على أموال وممتلكات الناس ويثير الخوف والرعب في قلوبهم عمود من أعمدة الفساد، وهناك المفسدون في الأرض الذين يستبيحون دماء الأبرياء في فلسطين وبورما والفلبين وغيرها من بلاد المسلمين، لابد من مواجهتهم، وهنا يأتي دور أهل الخير من كل الملل والنحل والبلدان الذين أقروا قرارا أمميا لمكافحة الفساد أن يقفوا وقفة رجل واحد، ويهبوا هبة واحدة؛ لمواجهة المفسدين في الأرض دون تمييز واعتبار للون أو جنس أو دين، فالظلم والقتل من الإفساد في الأرض، ومن المهم والضروري مواجهته حفاظا على القيم الأخلاقية لبني الإنسان، واعتبارا للشرائع جميعها التي تدعو إلى أن يسود الحق والخير والعدل بين الناس ﴿ فَهَلْ عَسِيتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِے اِ۬لْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْۖ ﴾.