والله غالب على أمره!!

أ. فرج كريكش
اللحظةُ الراهنة ليست معيارا صحيحا لاستيعاب سنن الله في الكون، فقد تكون البئر بوابة لقصر العزيز، والسجن قنطرة لاعتلاء عرشه، والمكر والخديعة ترجمة لسجود الشمس والقمر والكواكب في المشهد الختامي!!
لا يغني حذر من قدر، والله غالب على أمره وإن قلت احتياطا (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك)
أو قلت محبة و شفقةً (وأخاف أن يأكله الذئب)
أو قلت لغاية في نفسك (يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)!!
النفس البشرية ليست شرا محضا ولا خيرا، فقد تصدق الظنون حين (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) في الأولى
وقد تخطئ التوقعات في الثانية!!
والشريرون الذين ألقوا بأخيهم في البئر لم يتمحضوا للشر على طول المشهد وفي نبوة بعضهم خلاف، والتي كادت ليوسف في القصر هي هي من قالت:
الآن حصحص الحق!!
إن الابتلاء مدرسة لعقيدة التوحيد ليست نصوصا في رسالة وجيزة عن الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، ولكنها انقلاب من (اذكرني عند ربك) إلى حيث قال (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم)
وفي حلقة الابتلاء نفسها لك أن تتعلم كيف يفهم المقربون أن شدة الكرب تشير إلى اقتراب الفرج، وضياع الثاني قد يعني عودتهما معا (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
وفي حلقة أخرى وفي حين أن المخرج السينمائي الشبق يتذرع بضرورة تصوير الواقع فيما يخص العلاقة بين الجنسين فيجعلنا نتحمس للفاحشة ونتحين الخطيئة
فإنك ستجد في المشهد القرآني كل تفاصيل الواقع دونما مواربة، راودته عن نفسه، غلقت الأبواب، هيت لك همت به وهم بها، شغفها حبا، بل وقطعن أيديهن
ولكن البطولة في ختام الفصل من نصيب العفاف على غير العادة
وفرح المتابعين يصير في النجاة من الفاحشة على غير ما يحاول الواقعيون إقناعنا بغيره في كل مرة!!
وأي واقعية بربكم تلك التي تعتبر الاستجابة للشهوة بطولة؟ حتى القطط تفعل ذلك!!
وفي حلقة العلاقة بين الجنسين نفسها قف كثيرا وتأمل بحسرة بدل التأمل بشغف واستشراف، وانظر كيف تتعامل القصور المتخمة ببساطة مفرطة مع حكاية الشرف
(يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين)
وليس مستغربا بعد اجتياز امتحان الشهوة والثبات والاستعصام الذي خلده الله في كتابه أن يثبت الرجل في سجنه، وفي قصره، وفي معاملته مع من أضمروا له الشر، رغم أنف الأخوة والرحم.
في سورة يوسف مواضيع كثيرة لا يمكن حصرها ومعانٍ لا تنتهي دراستها؛ لأنها ببساطة أحسن القصص
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
في موضوع سورة يوسف
بقلم: فرج كريكش