اجتماعيةعاممقالات تربوية

وهكذا يفعل الأنبياء

الشيخ محمد الغزالي رحمه الله

إن مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) لم يؤخذ من الساسة ” الزمانيين “..إن مصدره من هنا، وإليك النص:

” وخرجت دينة ابنة ليئة التى ولدتها ليعقوب.. فرآها شكيم ابن حمور الحوى رئيس الأرض وأخذها واضطجع معها وأذلها، وتعلقت نفسه بدينة ابنة يعقوب، وأحب الفتاة، ولاطف الفتاة، فكلم شكيم حمور أباه قائلاً خذ لى هذه الصبية زوجة، وسمع يعقوب أنه نجس دينة ابنته.. فسكت حتى جاءوا (أى أبناؤه) [ثم بعد أن عرض عليهم حمور مصاهرتهم] .. فأجاب بنو يعقوب شكيم وحمور أباه بمكر..، فقالوا لهما: لا نستطيع أن نفعل هذا الأمر: أن نعطى أختنا لرجل أغلف.. إن صرتم مثلنا بختنكم كل ذكر نعطيكم بناتنا ونأخذ لنا بناتكم.. واختتن كل ذكر.. فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين (أى بسبب الختن) أن ابنى يعقوب: شمعون ولادى أخوى دينة أخذا كل واحد سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور

وشكيم بحد السيف.. ونهبوا المدينة، وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونساءهم وكل ما فى البيوت.. ” (تكوين: ٣٤)
أين شرف المعاملة فى هذه الروايات المليئة بالفسق وسفك الدم؟

ولنا أن نسأل:
ـ كيف ضاع عرض ابنة نبى على هذا النحو الغامض؟

ـ وإذا كان غلام أثيم قد اغتصبها كرهاً فلم لم يعاقب وحده؟
ـ وإذا كان يعقوب وبنوه قد قبلوا إصلاح الخطأ بإتمام الزواج فلماذا أغاروا على المدينة، واستباحوها وأزهقوا أرواح الأبرياء، واسترقوا الأطفال والنساء؟

ـ هل هذه سيرة أنبياء وأولاد أنبياء؟ أم سيرة قطاع طرق؟
لكن مؤلف التوراة وقر فى نفسه أن اليهود شعب مختار، فصور الألوهية والنبوة وعلاقة اليهود بالناس أجمعين على الصورة التى أبرزنا لك ملامحها، لم نستعن فى توضيحها إلا بالنصوص الواردة فى الكتاب المقدس!!
أكرهت نفسى على قراءة سفر التكوين بأناة، ثم تملكنى الضجر وأنا أقرأ الأسفار الأُخَر فاكتفيت بنظرات عابرة.

إن جمهرة الفلاسفة والعلماء المؤمنين بالله يرفضون كل الرفض أن يوصف بالانحصار والجهالة والتسرع، كما يرفضون كل الرفض أن يسىء اختياره لسفرائه إلى خلقه فلا يقع إلا على السكارى والمنحرفين.
بل إن عرب الجاهلية المشركين كانت نظرتهم إلى خالق الكون أرقى وأرحب.
وما أوخذوا به أنهم تزلفوا إليه بآلهة أرضية لا أصل لها يحسبون أنه أكبر أو أنهم أقل من أن يتصلوا به اتصالاً مباشراً.

أما وصف الله أو الحديث عنه بالعبارات المدونة فى العهد القديم فهو خبال فى الفكر يتنزه المولى الجليل عنه..
بيد أن النصارى قبلوا هذه الأسفار على علاتها وجعلوها شطر الكتاب المقدس!

لماذا؟.. لأنها تخدم قضيتين تقوم عليهما النصرانية الشائعة:
الأولى: قضية تجسد الإله، وإمكان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل ويصارع ويجهل ويندم.. إلخ.

الثانية: قضية أن البشر جميعاً أرباب خطايا وأصحاب مفاسد وأنهم محتاجون لمن ” ينتحر ” من أجلهم كى تغفر خطاياهم.

وقد رفض الإسلام كلتا القضيتين، وتنزل القرآن الكريم مفيضاً الحديث عن تنزيه الله وسعته وقدرته وحكمته وعلمه، كما أفاض الحديث عن الناس ومسئوليتهم الشخصية عما يقترفون من خير أو شر.
وذكر القرآن الكريم أن لله عباداً تعجز الأبالسة عن غوايتهم، وأنهم من نقاوة الصدر وشرف السيرة ورفعة المستوى بحيث يقدمون من أنفسهم نماذج للإيمان والصلاح والتقوى، تتأسى بها الجماهير.
” إن عبادى ليس لك عليهم سلطان. وكفى بربك وكيلاً ” (الإسراء: ٦٥)

فإن لم يكن نوح ولوط وإبراهيم ويعقوب من هؤلاء النبلاء الكرام فمن هم إذن الصالحون الفضلاء؟
وإذا كان أنبياء الله سكارى وزناة ومحتالين فلماذا يلام رواد السجون وأصحاب الشرور؟؟
ولا عذر للنصارى فى تصديق هذا اللغو، بل لا عذر لهم فى ادعاء أن الله ولد أو أن له ولداً، إلى آخر ما يهرفون به..

أحياناً فى هدأة الليل أرمق النجوم الثاقبة وأبعادها السحيقة، ثم أتساءل: أليس بارئ هذا الملكوت أوسع منه وأكبر؟ فكيف يحتويه بطن امرأة؟

وأحياناً أرمق الأمواج ذوات الهدير وهى تضرب الشاطىء وتعود دون ملل أو كلل. إن أربعة أخماس الأرض مياه، ويبرق فى رأسى خاطر عابر، هل رب هذا البحر العظيم كان جنيناً فرضيعاً.. فبشراً قتيلاً؟

وأهز رأسى مستنكراً وأنا أتلو هذه الآيات:
” قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل أفلا تذكرون ”
” قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون ”
” قل من بيده ملكوت كل شىء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل فأنى تسحرون ” (المؤمنون: ٨٤ ـ ٨٩)
” ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله ” (المؤمنون: ٩١)
” رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً “..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى