اجتماعيةمقالاتمقالات تربوية

أخذ المضحي من شعره .. حلال أم حرام؟

أخذ المضحي من شعره .. حلال أم حرام؟

الدكتور أكرم كسّاب

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله،

أما بعد،،،

فهذه مسألة يكثر الحديث عنها قبل هلال ذي الحجة من كل عام، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال::

القول الأول: حرمة أخذ الشعر وقلم الظفر، وبه قال أحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي. نيل الأوطار (5/ 133).

واستدلوا بما رواه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ”، في روايةٍ:”من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي”، وفي روايةٍ: “ولا من بشرته”. قالوا: والنهي يقتضي وجوب الترك، فمن فعل فقد وقع في محظور.

 القول الثاني: يكره كراهة تنزيهية أخذ الشعر وقلم الظفر، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو قول عند مالك. (نيل الأوطار (5/ 133).

واستدلوا بما رواه البخاري ومسلم عن عائشة: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْىِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ… قال الشوكاني: فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث الباب (حديث أم سلمة) على كراهة التنزيه. نيل الأوطار (5/ 133)، وقال السيوطي: من أراد أن يضحي فلا يقلم من أظفاره ولا يحلق شيئاً من شعره في عشر الأول من ذي الحجة، وهذا النهي عند الجمهور نهى تنزيه، والحكمة فيه أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار وقيل للتشبيه بالمحرم…. (شرح السيوطي لسنن النسائي 7 / 212).

 القول الثالث: جواز أخذ الشعر وقلم الظفر بلا كراهة، وهو قول أبي حنيفة. (نيل الأوطار (5/ 133).

واستدل هؤلاء بحديث عائشة المتقدم ” فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ” وفي هذا الحديث دليل على إباحة ما قد حظره حديث أم سلمة.

ويجاب عن ذلك: بأن ما قالته عائشة متعلق بمن أراد الهدي وهو مقيم بين أهله في بلده، والهدي غير الأضحية.

• الراجح: والذي أراه راجحا:

1. أن حديث أم سلمة يمكن اعتباره خاصا بالأضحية، وحديث عائشة يكون خاصا بالهدي، وبهذا نجمع بين الحديثين، قال ابن عبد البر: قال أحمد: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء فبقي ساكتا ولم يجب. وذكرته ليحيى بن سعيد فقال: ذاك له وجه وهذا له وجه، وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر، وحديث عائشة لمن بعث بهديه وأقام. قال أحمد: وهكذا أقول؛ حديث عائشة هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به؛ فإن أراد أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره، على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من أراد أن يضحي في مصره. (الاستذكار (4/ 85).

2. يؤكد هذا أن حديث أمنا عائشة رضي الله عنها إنما كان ردا على من منع صاحب الهدي من الأخذ من شعره أو ظفره، وقال: يحرم عليه ما حرم على الحاج، روى الشيخان عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ، قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ».

3. لا بد أن تراعى التغيرات التي يعيشها الناس، سواء كان ذلك في عملهم، وحتى في أعرافهم، ومن ثم فإن للمرء أن يأخذ من أقوال الفقهاء ما يراه مناسبا لحاله، بخاصة إذا كانت المسألة غير قطعية الدلالة.

4. يكون الراجح من الأقوال: استبعاد القول بالحرمة، ولكن يكره كراهة تنزيهية، ومن ثم لا مانع من الأخذ إن كانت هناك حاجة، أو تغير عرف الناس، وعليه فمن وجد قدرة منه على فعل ذلك بلا مشقة فعل وأثيب على ذلك، ومن وجد مشقة في فعل ذلك أخذ من شعره وأظفاره، ولا شيء عليه.

• الحكمة من هذا النهي:

أما الحكمة من هذا النهي، فقد أخبر عنها الشوكاني بقوله:

1. أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار.

2. وقيل: للتشبه بالمحرم.

(نيل الأوطار (5/ 133).

لكن القول الثاني بعيد لأن المقيم يخالف المحرم في أشياء كثيرة، وقد سبق حديث عائشة رضي الله عنها: (فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الهَدْيُ) قال الشوكاني: وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم … (نيل الأوطار (5/ 133).

• حكم المضحى عنه:

هذا بالنسبة للمضحي رجلا كان أو امرأة، أما المضحى عنه كبيراً كان أو صغيراً، رجلا أو امرأة فلا مانع من أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره بناء على الأصل وهو الجواز، إذ الخطاب في الحديث لمن أراد أن يضحي دون أهل بيته.

والله تعالى أعلم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى