اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

أخطر الصفات البشرية: النفاق كما تصوره سورة المنافقون

أخطر الصفات البشرية: النفاق كما تصوره سورة المنافقون

أ. محمد العوامي

“كان النبي ﷺ يقرأها في صلاة الجمعة لتحذير المسلمين من الخطر الكامن في صفوفهم!”

اعتنى القرآنُ الكريم بالكلام عن ظاهرة النفاق، وذِكر أوصاف المنافقين، والتحذير منها، وهذا المقال يتناول سورة المنافقون إنموذجا وهي من السور التي تكشف حقيقة المنافقين، حيث تفضح صفاتهم الذميمة التي تُعد من أخطر ما يهدد استقرار المجتمعات. وقد كان النبي ﷺ يقرؤها كثيرًا في صلاة الجمعة، مما يدل على خطورة النفاق وضرورة استحضار معاني السورة بوعي وتدبر، حتى لا يقع المؤمن في شيء من خصال المنافقين.
▪️ يرى سيد قطب في ظلال القرآن أن النفاق أشد خطرًا من العداء الظاهر، لأنه يعمل من الداخل على هدم المجتمع.
• المنافقون دائمًا في حالة قلق واضطراب نفسي، حيث يعيشون في خوف من انكشاف حقيقتهم.
• فالمرض يُنشِئ المرض، والانحراف يبدأ يسيرًا ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد، سُنّة لا تتخلّف، سُنّة الله في الأشياء والأوضاع، وفي المشاعر والسلوك.
• العلاج الحقيقي للنفاق يكون بالصدق والإخلاص في العمل، وعدم مراعاة الناس على حساب الحق.
▪️ ويرى ابن عاشور في التحرير والتنوير أن في السورة بلاغة في كشف المنافقين، حيث استخدمت السورة تكرارًا لعبارة: “إن المنافقين لكاذبون” للتأكيد على حقيقتهم.
• وصفهم بأنهم “خشب مسندة” أي: أجساد بلا فكر ولا إيمان، رغم مظهرهم الجذاب.
• النفاق يؤدي إلى الحرمان من الفهم الصحيح، لأن من تعوّد الكذب والتلوّن يفقد القدرة على إدراك الحقيقة.
▪️ويرى القرطبي في الجامع لأحكام القرآن “أن الأيمان الكاذبة وسيلة المنافقين للتمويه والخداع.
• فسر كلمة “جُنَّةً” بأنها تعني التغطية، أي أنهم يجعلون حلفهم حاجزًا يخدعون به الناس.
• وذكر أن قراءة النبي ﷺ لهذه السورة في صلاة الجمعة تدل على خطورتها، لأنها تحذر المسلمين من خطر داخلي يهدد المجتمع”.

○ إن تكرار النبي ﷺ لقراءتها في صلاة الجمعة يبرز التحذير من النفاق وخطره على الأفراد والمجتمعات، فالجمعة يوم اجتماع المسلمين، حيث يُذكّرون بأهم القضايا التي تحصّن إيمانهم، ومن أعظمها التحذير من النفاق، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقون” [رواه مسلم].

المنافقون يُظهرون احترام الإسلام بألسنتهم ويهدمونه بكيدهم وإفسادهم، كما كان أسلافهم الذين قال الله فيهم:
﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾
﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ…﴾
فكثير من الأقوال تُكذِّبها الأفعال.

فهم مِن كثرة إصرارهم على معاكسة المؤمنين، اختلط عندهم الصلاح بالفساد، ولم يعودوا يشعرون أنهم يفسدون ولا يصلحون.

□ ملامح النفاق في السورة:
تكشف السورة عن صفات المنافقين بأسلوب قوي ومباشر، يمكن تقسيمها إلى خمسة محاور رئيسية:
1. الكذب والخداع والتلون:
قال الله تعالى:
﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (المنافقون: 1)
يُظهر المنافقون الإيمان باللسان، بينما تخفي قلوبهم الكفر والشك، ولهذا كذّبهم الله تعالى، لأنهم يقولونها رياءً لا يقينًا.
2. اتخاذ الأيمان غطاءً للفساد:
﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (المنافقون: 2)
يحلف المنافقون بالله كذبًا ليخفوا حقيقتهم ويضللوا الناس، مما يجعلهم سببًا في الصد عن سبيل الله، وهذا من أخطر صفاتهم.
3. ضعف الفهم وقصور البصيرة:
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ (المنافقون: 3)
لأنهم تقلبوا بين الإيمان والكفر، طبع الله على قلوبهم، فلم يعودوا قادرين على إدراك الحق، وهذا جزاء طبيعي لمن أعرض عن الهداية.
4. الاغترار بالمظهر دون الجوهر:
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾ (المنافقون: 4)
يظهر المنافقون بمظاهر جذابة، لكن حقيقتهم جوفاء، لا فكر لديهم ولا إيمان. وهكذا يكون المنافقون في كل زمان، يقدمون خطابًا براقًا لكنه بلا مضمون.
5. نشر الفتنة والخوف في المجتمع:
﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ (المنافقون: 4)
المنافق دائمًا يعيش في قلق ورعب، لأنه يخشى انكشاف أمره، فيتوهم أن أي كلام أو حدث يستهدفه.

□ هذه الصفات تشكل خطورة على الفرد والمجتمع:
فالنفاق ليس مجرد خصلة سيئة، بل هو آفة تدمر المجتمعات، لأنه يزعزع الثقة، وينشر الفساد، ويمنع الإصلاح. ولهذا، فإن التحذير من النفاق لا يقتصر على كشف حقيقته، بل يتطلب محاسبة النفس بشكل دائم.
جزاء من جنس العمل:
لذلك كلّه، طبعَ اللهُ على قلوبهم، وحكمَ عليهم في عدة سور من القرآن الكريم بأنهم:
“ظالمون، ضالون، طاغون، فاسقون”.

فحديث القرآن عن المنافقين هو أيضًا «حُجّة على كثير من اللابسين لباس الإسلام، الذين يعتقدون كمالَ سلَفِهم ولا يقتدون بهم، وإنما يطمعون في سعادة الدنيا والآخرة بانتسابهم إلى أولئك السّلَف العظام، ولكونهم من أمة النبي ﷺ وهي خير الأمم بشهادة الله في القِدَم، ولكنهم لا يعلمون أنها فضلَت سواها بكونها أمةً وسطًا، تقوم على جادة الاعتدال في العقائد والأخلاق والأعمال، وتسعى في إصلاح البشر بالأمر بالمعروف والنهـي المنكر» (تفسير المنار، 1/ 160- 161).

وللوقاية من النفاق، يمكن للمسلم أن يحمي نفسه من خلال:
• الإخلاص: لأن المنافق يعمل للناس، أما المؤمن فيعمل لله.
• الصدق: في القول والعمل، فلا يخالف ظاهرُه باطنَه.
• الثبات على الحق: وتجنب التقلب بين الإيمان والشك واتهام النفس بالتقصير والنِّفاق حتى تجتهد في التخلص منه، ولا تركن إلى الأمن من مكر الله تعالى.
• الإكثار من قراءة سورة المنافقون: لمعرفة صفاتهم في الكتاب والسنة لأن القرآن شفاء، وهذه السورة تكشف للمؤمن ما في نفسه إن وُجد من آثار النفاق وكذلك أحاديث نبينا محمد ﷺ بينت لنا الكثير من صفاتهم.
• الاجتهاد في تطهير النفس من صفات النفاق: كالكذب، والخيانة، ونقض العهد، والتثاقل عن الجهاد، وموالاة أعداء الله، والإعراض عن شرعه، فإنها من سمات المنافقين التي تورد المهالك. ويساعد على ذلك استحضار عظمة الله تعالى، والسعي الدائم في تزكية القلب وتخليصه من الأمراض والآفات التي تفسده.

“إن سورة المنافقون ليست مجرد وصف لحال قوم في زمن النبي ﷺ، بل هي مرآة لكل زمان ومكان”.
“فهي ليست تاريخًا، بل تحذيرًا مستمرًا!”
فمن أراد النجاة، فلينظر في نفسه، وليتفقد أعماله، وليحذر أن يكون فيه خصلة من خصال النفاق، فقد قال ﷺ:
“آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” (متفق عليه).

🤲 نسأل الله أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأن يجعلنا من الصادقين المخلصين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى