عاممقالاتمقالات الرأي

أزمة امتناع الشرع مصافحة إيلباروك

د. شيروان الشميراني

 في 31-كانون الأول- ديسمبر- 2024 أصدر مكتب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تقريراً موضوعياً مفصلا عن حقوق الانسان في غزة، وركز على حالة المستشفيات فيها وهجمات إسرائيل عليها ومبرراتها غير المقبولة والانتهاكات المرتكبة من منظور القانون الدولي بحق الفلسطينيين، خلص إلى ان سير الأعمال العدائية في غزة منذ 7 تشرين الأولأكتوبر 2023 هو تدمير نظام الرعاية الصحية في القطاع كلها.بعدها بأربعة أيام نشر كاتب العمود في “فورين بوليسي هاوارد فرانش- مقالا عن التقرير الأممي بعنوان “لماذا نتجاهل انتقادات حقوق الإنسان لإسرائيل؟“، وجه هاوارد لوماً إلى الأوساط الإعلامية التي لم تنشر عن التقرير، قائلا: إنه كان يتوقع ان تبرز عناوين اليوم التالي للصحف تلك المسائل المقلقة لكنه،لم يحدث.

هذا الملف الحقوقي الذي فضح العالم كله بكل ادعاءاته الفكرية والثقافية عن حقوق الإنسان والحريات الدينية وضمان حقوق الأقليات وحق تقرير المصير، لم يحظ حتى بأقل مما يستحق من قبل الإعلام العالمي، لكن امتناع قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانيةأخذ صدى يستغرب منه كل مَن له القليل مِن الإدراك والوعي عن الحقوق والطريق لضمانها، وكذلك عن العادات ومراعاتها في البروتوكول والزيارات الدبلوماسية، وفي تصريح عقب اللقاء جعلت قضية المصافحة إلى عنوان رئيسي في تصريحاتها للصحافة وربط بينها وبين حقوق المرأة ربطاً مباشراً. حتى إنالإنسان يتحير كيف يعلق عن الموضوع، وهل هذه العقلية الصغيرة هي ما تتعامل مع الأزمات العالمية؟، لكن لا يمكن ان تكون جاهلة بتأثير الدين والقناعات الشخصية والتقاليد المجتمعية في كيفية سير وترتيب العلاقات الرسمية.

 أنا درست قواعد البروتوكول الدبلوماسية لمدة ثلاثة أيام في بغداد مع منظمة USaid الأمريكية، ومما تعلمناه أنه لا يجوز أن تضع مشروبات- الكحول- على الطاولة وضيفك هو رئيس مسلم ملتزم تعرف انه يتنزه عن التقرب لهذا النوع من المشروب، ولا أن تتحرك أصابع يدك بحركات تحمل معاني سيئة عند الضيف لان ذلك من قلة اللياقة وتقليل من الاحترام، تدخل المصافحة في هذا المجال أيضاً، مثلاً عندنا في العراق الوزيرة والدبلوماسية الهولندية الأممية “جنين بلاسخارت” مسؤولة مكتب الأمم المتحدة في العراق، هي أثناء زياراتها إلى المرجعيات الدينية في النجف والمسؤوليين ممن يحملون رمزاً دينياً، كانت تتجنب المصافحة وتضع أحياناً خماراً لتغطية شعرها للتدليل على أنها تحترم وتراعي ظروف وشعور المقابل، لم تكن تسبب مشاكل ولا كانت تثير الحساسيات لإمتناع المقابل مصافحتها وإنما كانت تذهب إلى مراعات شعورهم كذلك، وهي أوروبية مستوعبة لكامل مباديء التعامل الدبلوماسي، لم تكن تربط بين أسس الحياة الاجتماعية الشخصية جداً وانتهاك أوعدم انتهاك الحقوق، لكن أنالينا فعلت وشاركها زميلها الوزير الفرنسي “جان باروت” حيث لم يبادر هو أيضا لمصافحة احمد الشرع يبدو كان احتجاجاً على عدم مدّ يده لمصافحة زميلته الألمانية، وقف في الجانب الخطأ، في حين كانت الحنكة والحكمة تقتضيان منه تنبيه نظيرته إلى القواعد الواجب مراعاتها لا ان تنظم اليها.

من دون العودة إلى الموقف الألماني والسيدة الوزيرة من تمزيق قنابل إسرائيل لأجساد الأطفال والنساء الفلسطينيين وكان موقف التبرير، وبالبقاء في نطاق القضية السورية، فإن الموقف الألماني طيلة سنوات الثورة مهادناً للنظام ولم يكن مع الحركة الثورية لإسقاطه، ينقل وزير الخارجية الإيراني الأسبق حسين أمير عبداللهيان في روايته [ ص: 117] للأزمة السورية عن الموقف الألماني ويقول: “ أعتقد أن ألمانيا هي البلد الذي كان يمتلك فهماً صحيحاً للمسائل السورية، فلم يلعب دوراً غير بناء، والسبب في ذلك أننا تمكنّا وبسرعة من الاستفادة من فرصة الحوار في المسائل السياسية والأمنية مع الألمان…لم تكن وجهتهم دعم سقوط بشار الأسد وقد أعلنوا أن هذا الأمر يرتبط بالشعب السوري”، وفقاً للتقييم الإيراني إذن إن الموقف الألماني تجاه الثورة السورية لم يكن مسانداً ولم يدعم السوريين لإسقاط بشار، فربما هذه الضجة والانزعاج من أنالينا بيربوك هو امتداد لموقف بلدها السابق من النظام الساقط، لكن للمرء أن يسأل وتملئوه الحيرة: هل كان بشار مسانداً للحقوق والحريات للمرأة وكرامتها عندما كان يصافح ويحتضن حسب التقاليد الأوروبية؟ بشار لم يمانع من التلامس الجسدي مع المرأة الضيفة وما كان من أصحاب اللّحى، فهل كان ضامناً للحقوق السياسية، بل حتى حق الحياة؟، وذلك من دون أن ننسى أن السلاح الكيميائي الذي استعمله بعث العراق بحق مواطنيه كان من صنع شركات ألمانية، زودته به لإستعماله لقتل الإنسان المسالم والمحارب على حدّ سواء عندما تقتضي المصلحة.

 إذن لماذا هذه الضجة التي أثيرت؟ وما سبب الملامح المكشرة من جان باروت وهو ينظر إلى أحمد الشرع والتشنج والإنزعاج الباديين على صفحات وجه أنالينا ايلباروك؟

 عندما تتفحص العين ويتأمل العقل في ما قبل وما بعد الزيارة، يمكن القول إن توتير الجوّ كان مقصوداً، أي أن إستغلال التصرف الطبيعي من الشرع مع الوزيرين من أجل غايات أخرى كان مقصوداً منهما، فلقاءاتهما وسلوكياتهما أثناء اللقاء وبعده، الغاية منها كانت تمرير قائمة الطلبات الموضوعة أمام القيادة السورية التي هي إملاءات حسب مصادر سورية مطلعة، ربما هم يريدون إستغلال الحاجة السورية إلى الاعتراف الدولي ورفع العقوبات الاقتصادية بالدرجة الأولى لفرض أجنداتهم، وتوظيف حساسية الخلفية التاريخية للشرع وموقف الغرب منه لزعزعة شخصيته وتليين مواقفه المبدئية وزرع بذور الضعف لديه من الآن، كل ذلك تحت عناوين مقبولة و مطلوبة عالمياً، وهذه عادة الدول الغربية التي تبحث عن الهيمنة على الشرق، فهي لا تكتفي بتوفير أجواء الحرية المناسبة للتبشير بالقيم الإنسانية التي يتبناها، وإنما يذهب أبعد من ذلك وهو توظيف تلك القيم والشعارات لغايات سياسية وممارسة الهيمنة والنفوذ، وفرض السلوكيات التي هي مرفوضة من المجتمعات الشرقية، لأن بشار الأسد الذي تعاملوا معه ومع الأب طيلة 53 سنة لم يكونا ممن يراعون أبجديات حقوق الإنسان، كان الانسان بالنسبة لهما آلة من الآلات تؤدي الغرض منها وفي حال لم يكن مفيداً كما ينبغي يُرسل إلى “صيدنايا” ليكمل ما تبقى له من سنوات الحياة مهاناً من غير كرامة..مع أنه من الموازنة بين المصالح والمفاسد السياسية يمكن النظر في موضوع المصافحة كما فعل وزير الخارجية أسعد الشيباني مع أنالينا ايلباروك ذاتها في لقاء الرياض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى