أصل الإنسان ونظرية الصدفة في فكر علي عزت بيجوفيتش
فرج كندي
طرح المفكر المسلم ,, علي عزت بيجوفيتش ,, ولد في دولة أوروبية وعاش فيها تحت نظام سياسي قمعي قائم على عقيدة الإلحاد ومحاربة الدين وقمع
المتديّنين.
فكرة أصل الإنسان من خلال تمييزه بين النموذج المجرد والتجربة المعيشية في صياغة السؤال المعرفي (ما هو الإنسان؟).
يقول إن: (قضية أصل الإنسان هي حجر الزاوية لكل أفكار العالم، فأي مناقشة تدور على كيف ينبغي أن يحيا الإنسان؟ تأخذنا إلى الوراء حيث مسألة أصل الإنسان).
وهو ما يجبرنا على طرح السؤال المعرفي بطريقة مباشرة تدور حول إشكالية وجودية متعينة النقاش, وبدلا من أن يناقش هذه الإشكالية وفق الرؤية المادية المتمثلة في نظرية (التطور) النظرية (الداروينية) التي تنسب إلى عالم الأحياء البريطاني المشهور “تشارلز روبرت داروين (1809 – 1882)”. وبدلا من أن يدفع إلى تفنيدها من خلال علم البيولوجيا الذي قامت عليه هذه النظرية فإنه يبدع في استخدام إستراتيجية علمية جديدة مبتكرة ومختلفة تماما عن ما هو متوقع من خلال استخدام منهج تفسير البعد الإنساني المطبوع في الإنسان؛ مبيّنا من خلالها قصور بل عجز النظريات المادية جميعا بما فيها نظرية التطور الداروينية التي يعتمدها الفكر الغربي المعاصر.
قام بيجوفيتش في معرض طرحه للإنسان الدارويني (المادي) لتحليل أصل الإنسان فيرى (الإنسان المادي الدارويني) ما هو إلا شكل بدائي للحياة ظهر نتيجة عملية طبيعية كيميائية (مادية) وبهذا يكون الإنسان من هذا المنظور حيوان تطور من المادة إلى الأميبا, والأميبا تطورت إلى مرحلة القردة العليا !!!. ومنها إلى الإنسان الذي تطور إلى أن وصل إلى مرحلة الكمال الجسمي والفكري, ومنه إلى أعلى مرحلة وهي مرحلة الذكاء الخارق !!!.
يعتبر “بيجوفيتش” أن هذا التطور لم يستطع أن ينتج إنسانا وإنما مجرد حيوان مثالي قادر على التحرك داخل الجماعة بكفاءة عالية لتحقيق هدف البقاء. وليس في الإنسان شيء لا يوجد في المستويات العليا من الحيوانات الفقارية والحشرات, والفرق بين الإنسان والحيوان حتى بعد تطور ( كمال ) الإنسان, إنما هو فرق في الدرجة والمستوى والتنظيم, وليس هناك جوهر إنساني بحسب نظرية التطور الدارويني.
يرد علي عزت بيجوفيتش وفق نظريته القائمة على “” البُعد الإنساني في الظاهرة الإنسانية”” أن الإنسان في واقع الأمر مختلف بشكل جوهري عن هذا الإنسان الطبيعي المادي فهو ليس مجرد وظائف بيولوجية مجردة, بل يوجد في صميم حقيقة تركيبته شيء ينقله من عالم الضرورات والحتميات الطبيعية والسببية المطلقة والمنفعة المادية … إلى عالم الحرية والاختيار والقلق والتركيب والتضحية.
ويرى بيجوفيتش أن شيئًا ما بالإنسان “الفطرة” جعله لا يقنع بجانبه الطبيعي المادي الحيواني ودفعه إلى أن يبحث دائما ((عن شيء آخر غير السطح المادي الذي تدركه الأسماع والأبصار وصولا إلى ما لا تدركه الأسماع والأبصار)) أطلق عليه اسم “المقدس” بحيث يفكر في معنى حياته وفيما بعد الحياة؟ أي الوجود وإلى أين؟
إن إنسان بيجوفيتش مختلف عن الحيوان وعن إنسان داروين الطبيعي.
فهو إنسان عاقل وذو خيال ووجدان يحس بأنه جزء من الطبيعة وغريب عنها في ذات الوقت – المحسوس والملموس – إذ توجد مسافات طويلة تبعده عنها, ولذا فهو يشعر بأن ثمة عالما آخر يحتاج للتعبير عنه والتواصل معه، فميل الإنسان إلى الرسم والغناء وتقديم القرابين فهو يشعر بأن هناك في داخله ما يميزه عن الحيوانات التي قد تستطيع أن تصنع وتستخدم الآلات مثل القردة التي تستخدم العصاة للوصول إلى الموز في أعلى الشجرة أو الدب الذي يستخدم الحجر لقتل أعدائه, ولكنها لا يمكن أن تقدم أي قرابين أو ترسم أي لوحات ولا تشعر بوخز الضمير فهذه خصائص الإنسان التي تميز بها عن غيره.
ومن هنا نشأت ثنائية الطبيعي المادي من جهة والإنسانية الروحي من جهة أخرى.
ومن هنا ندرك أن السؤال المعرفي الذي طرحه بيجوفيتش عن أصل الإنسان
تناوله الإيمانيون بالهجوم على نظرية التطور الدارويني التي تؤكد الأصل المادي للإنسان محاولين تفنيدها وإثبات عدم علميتها ووجود ثغرات كبيرة فيها من خلال الاعتماد على الإشارات المادية ذات الدلالة المادية ورغم أهمية هذا الأسلوب إلا أنه ليس بحاسم لأن دعاة النظرية المادية الداروينية عادة ما يتقدمون هم أيضا بأدلة مادية أيضًا لإثبات نظريتهم مما يجعل حسم القضية مستحيلًا ويوسع دائرة السجال إلى ما لا نهاية.
أما الأستاذ علي عزت بيجوفيتش فيلجأ لأسلوب ومنهج مختلف تماما؛ فهو يحاول أن يثبت عجز المنهج الدارويني في التطور عن تفسير الظاهرة الإنسانية في سياق الثنائية الجوهرية الإنساني والطبيعي أي الروح والجسد, وهو ما يقرره القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهو ما استقرّ في عقيدة المسلمين دون الحاجة إلى اللجوء إلى النظرية الداروينية لأن قضية أصل الإنسان في الثقافة الإسلامية قضية محسومة بنصوص شرعية قطعية الدلالة والثبوت يتوافق فيها النص الصريح مع العقل الصحيح.