أخبار الجمعيةالكلمة الأسبوعية

ألاَ هُبُّوا لمواجهة الفساد

بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أهم القضايا التي تُعرِّض مجتمعنا وبلادنا للضرر والهلاك هو انتشار الفساد وطغيانه، بل والمجاهرة به، وإيقاف هذا لا يكون إلا من خلال مواجهته والعمل على منع أسبابه، والتنبيه على خطورته، وديننا يربّي أبناءه على أن الوقوف في وجه الظلم (وهو من أشد أنواع الفساد) من أعلى مراتب الجهاد، فعن أبي سعيد الخدري عن النبيِّ، قَالَ: (أفضل الجهاد كلمة عَدْلٍ عند سُلْطَانٍ جَائِر) رواه أبو داوود والترمذي. وهذا يندرج على ما دونه من أنواع الفساد سواء كان ماليا أو أخلاقيا من العامة كان أم من الخاصة.
وخلق التناصح يخدم هذا الجانب بصورة جيدة، الذي يظهر جليا في مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر به المولى، وأثنى عليه، وجعله شعارًا لخيريَّة الأمة، قال تعالى: {كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ}، ولعل في التقديم ما يشير إلى الأهمية، وقوله تعالى: {وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ}، يؤكد هذه الأهمية، بل إن اللعن الذي نزل على بني إسرائيل كان ترك هذا الخلق أحد أسبابه {لُعِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ءِیلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِمَا عَصَوا۟ وَّكَانُوا۟ یَعۡتَدُونَ ۝٧٨ كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ ۝٧٩}، وعندما ننظر إلى سنة المصطفى ﷺ نرى الأهمية ذاتها، حيث يقول في الحديث الذي رواه حذيفةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “والَّذي نفسِي بيدِه، لتَأمُرنَّ بالمعروفِ، ولتَنهونَّ عَنِ المنكرِ، أو ليوشِكنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عِقابًا منه، ثمَّ تدعونَه فلا يُستجابُ لكم” رواه الترمذيّ.
ومن المعلوم في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن “نأمر بالمعروف بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر بالمعروف”، وهذا يؤكده قول المولى: {ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ}، وقوله تعالى: {وَلَا تُجَـٰدِلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡۖ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم، وهذا بلا شك ينبهنا إلى ضرورة استخدام أفضل الوسائل والأساليب، لتوضيح هذا المعروف والحث عليه، وبيان المنكر والنهي عنه، ولا يكون هدفنا فقط إقامة الحجة، وبيان الحق دون النظر إلى النتائج المتوقعة، بل لا بد أن نحرص على أن يتم إقامة المعروف دون إحداث ضرر كبير، كما أن تغيير المنكر لا ينبغي أن يؤدي إلى منكر أشدَّ منه.
كما يهتم الإسلام بإقامة العدل حتى مع أولي القربى، {وَإِذَا قُلۡتُمۡ فَٱعۡدِلُوا۟ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۖ وَبِعَهۡدِ ٱللَّهِ أَوۡفُوا۟ۚ}، وكما نبّهنا الحبيب المصطفى ﷺ إلى ظلم من سبقنا بقوله: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» [رواه البخاري]، وهذا يدعونا أن نعامل الناس على مبدإ العدل والمساواة، ولا نحابي أحدا وخاصة فيما يتعلق بالشأن العام وحقوق العباد، وما يتعلق بما يضر هويتنا الدينية وقيمنا الأخلاقية، ولا تكون قاعدتنا في تقديم النصيحة والإرشاد إلى الخير والتنبيه على الشر معتمدا على من قام أو يقوم بهذا الفعل أو ذاك فإن كان من أصحابنا سكتنا عن خطئه، وإن كان من مخالفينا أعلنَّا القول، وشدَّدنا في التنبيه، فالعدل لا يحابي أحدا، وإن كان يراعي الظروف والمصالح والمفاسد، ولكن ما نحذر منه هو أن تكون هذه قاعدتنا، وسلوكنا العام وإلا وقعنا فيما حذر منه الرسول الكريمﷺ .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى