مقالاتمقالات الرأي

إدريس أسبق.. وفيصل له رجال

إدريس أسبق.. وفيصل له رجال

فرج كُندي

تعرّض الملك إدريس السنوسي ونظام حكمه لحملة طويلة وممنهجة دامت لأكثر من أربعة عقود وقاربت العقد الخامس؛ تبنّى هذه الهجمة الشرسة نظام الحكم الجديد الذي أطاح بالعرش السنوسي وتولي إدارة الحكم في البلاد، مع فجر الأول من سبتمبر عام 1969م، الذي وظّف عددا كبيرا من الكتاب والصحفيين والإعلاميين، وأكثرهم تقدم متطوعًا لا مكرهًا، بل طامحًا أو طامعًا للهجوم على الحكم السنوسي متمثلاً في شخص الملك وكل الرجال الذين شاركوا في إدارة دفة الحكم من ديسمبر 1951م إلى أغسطس 1969م.
ومن هذا التشويه؛ محاولة التعتيم على قرارات ومواقف وطنية وقومية مصيرية وتاريخية، أهمها هو الموقف من الاحتلال الفرنسي للجنوب الليبي (فزان)، وخوض الحكومة الليبية مفاوضات شاقة وحاسمة أدت إلى الاتفاق على خروج فرنسا من الجنوب الليبي، بعد مماطلة ومناورة فرنسية طويلة، ومنها الموقف التاريخي الذي تمثل في عدم الموافقة على انطلاق الطائرات البريطانية من قواعدها في ليبيا أثناء العدوان الثلاثي عام 1956م على الشقيقة مصر، الموقف الشهير والمعروف من الثورة الجزائرية ودعم الثوار والسماح بمرور الأسلحة القادمة من مصر إلى ثوار الجزائر، وجمع التبرعات من المواطنين الليبيين لدعم الثورة في الجزائر التي تكللت بانسحاب الاحتلال الفرنسي وباستقلال دولة الجزائر الشقيقة.
الموقف الأهم والذي له دلالاته التاريخية وبعده القومي وعمقه الإسلامي؛ هو ذلك القرار الذي اتخذته الحكومة الليبية الجديدة يوم السبت في الأول من شهر يوليو من عام 1967 الميلادي، حيث عقد مجلس الوزراء الليبي أول اجتماع له بعد تشكيله الأخير برئاسة عبد القادر البدري رئيس مجلس الوزراء بمدينة البيضاء، وقد تضمن بيان الحكومة النص التالي:
وتضامنًا مع الدول العربية في شعورها بأهمية سلاح البترول فإن الحكومة تلتزم التزاما (كاملا) بمقررات مؤتمر وزراء البترول العرب، أو أي مقررات أخرى تُجمع عليها الدول العربية المنتجة للبترول.
كان موقف ليبيا في هذا الصدد واضحًا وجليًا لا لبس فيه. إذ أُوقف ضخ البترول وتصديره بصفة (كاملة)، وكانت بذلك الدولة (الوحيدة) التي تعتزم تطبيق هذا الإجراء تلبية لنداء الواجب العربي.
أدرك جميع المواطنين فداحة التضحية التي تتحملها الخزينة الليبية، وأثرها في الاقتصاد الوطني، ومشاريع التنمية في دولة حديثة النشوء وحديثة العهد باكتشاف البترول، والاستفادة منه في مشاريعها التنموية الطموحة، وتناسقًا مع الموقف العربي العام، تقرر منع تصدير البترول عن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وأي دولة أخرى يجمع العرب على منع تصديره إليها، وبهذا القرار تكون ليبيا وعلى رأسها الملك إدريس من أوائل الدول التي تصدر حكومتها برئاسة السيد عبد القادر البدري بيانا لوضع كافة إمكانياتها تحت تصرف إجماع الدول العربية وتلتزم به التزامًا كاملًا.
إن ما أقدمت عليه الحكومة الليبية في عام 1967 برئاسة عبد القادر البدري، وتوجيه من الملك إدريس السنوسي من قرار شجاع وضعها في موقف صدام مع الدول الغربية أدت إلى ردة فعل وإلى عمل سريع ومباشر بإقصاء السيد البدري من رئاسة الحكومة ولم يمض على تشكيلها أكثر من ستة أشهر، وبتدبير انقلاب عسكري أطاح بالملك إدريس السنوسي والنظام الملكي بعد هذا القرار بسنتين.
ولم يحظَ هذا الموقف بالاهتمام العربي أو حتى الذكر في المحافل السياسية والمناسبات القومية على أهميته بقدر ما حظي به من بعده قرار الملك فيصل ملك السعودية منع ضخ البترول السعودي إلى الغرب إبان حرب أكتوبر 1973م، وإن كان دفع هو أيضًا ثمن موقفه هذا حياته، إلا أن من خلفه خلّد ذكره وتحدث عن مواقفه المشرفة، بينما الملك إدريس منع ذكره وطمست سيرته، بل منع من أن يدفن في أرضه وبجانب رفات آبائه، ولكنْ عوضه الله ببقعة أطهر وأفضل ولعل الزمن يجود برجل يعمل على دراسة سيرة تليق بهذا الرجل لإحقاق الحق وخدمة لتاريخ هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى