الكلمة الأسبوعية
إلى خطبائنا وأئمة مساجدنا
بسم الله الرحمن الرحيم
يقف الخطيب كل جمعة على الأقل أمام رواد مسجده واعظا ومنبها إلى ضرورة الالتزام بأوامر الإسلام، ومحذرا من كل ما يخالف أمره، ومبينا لكل ما يجهله الناس من أمور دينهم.
بهذا الموقف يتبوّأ الخطيب والإمام مكانة عظيمة عند متابعيه من رواد المسجد، وله كل التقدير والاحترام، وقد أدرك أعداء هذا الدين هذه المكانة ومكامن القوة فيها فعملوا ليلًا نهاراً على تشويه هذه الصورة وإفقادها كل عوامل قوتها وتميزها، ولذلك كانت الحملات الشديدة على علماء وخطباء المسلمين وتصويرهم بعدة صور: فهم يستعملون الدين للاسترزاق، وهم لا يفعلون ما يقولون، وهم يتشددون مع الناس ويتساهلون مع أنفسهم ومع من يحبون، وهم وهم وهم.. إلى نهاية الصور المشينة التي يعرضونها من خلال المسلسلات والأفلام والصور الكرتونية، بل والبحوث والدراسات التي يعدونها لهذا الغرض.
الحملة كبيرة ومستمرة، والواجب عليكم يقتضي الوقوف أمامها، والعمل على تفنيدها، والبيان للناس بعكسها، وعدم إعطائهم الفرصة للإساءة لهذا المقام، وتحذيرهم من تصديقها والسير وراءها.
هل نحن مدركون جميعا الخطباء والوعاظ والعامة بالهدف المقصود من وراء هذه الإساءة؟
لا شك أن ضرب القدوات ورموز الدين، فيه ضرب لقيم الدين نفسها، ولو اعتذروا بأن الدين في مكان سامٍ ورفيع، ولا يمكن لأحد التعدي عليه أو الإساءة له، والحقيقة أن الدين يمثله حملته، والمبشرون به، والداعون إليه، فكيف يتبع دين أو سنة ليس لها واقع في حياة الناس، ولا يرون مثالا يقتدون به، ولعل هذا بعض ما يفهم من قوله تعالى: “وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن یُؤۡمِنُوۤا۟ إِذۡ جَاۤءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰۤ إِلَّاۤ أَن قَالُوۤا۟ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرا رَّسُولا، قُل لَّوۡ كَانَ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَلَـٰۤىِٕكَةٌ یَمۡشُونَ مُطۡمَىِٕنِّینَ لَنَزَّلۡنَا عَلَیۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَلَكا رَّسُولا” ، وقوله تعالى: “وَقَالُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ مَلَك، وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكا لَّقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا یُنظَرُونَ وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ مَلَكا لَّجَعَلۡنَـٰهُ رَجُلا وَلَلَبَسۡنَا عَلَیۡهِم مَّا یَلۡبِسُونَ”، فالقدوة البشرية مهمة في إقناع الناس، وهذا ما نفهمه من قول الله تعالى “لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرا” ، ونحن لم نتلق القرآن والسنة النبوية إلا عن طريق الرجال، والذين كان يشترط فيهم العدالة والضبط، فماذا لو قلنا بأنهم لم يكونوا عدولا ولم يكونوا صالحين فهل يصح منهم نقل أو بلاغ؟
لابد أن يدرك الجميع أهمية الرموز والقدوات في المجتمع، ودورهم في تثبيت القيم والأخلاق الإسلامية والمجتمعية التي يدين بها الناس، وهذا يدعونا لأن نقف صفا واحدا تجاه أي صورة من صور التشويه بالرموز سواء الدينية أو الاجتماعية؛ لما في ذلك الموضوع من خطورة على المجتمع عموما وعلى البلاد بصورة خاصة.
هناك أمران أساسيان من الضروري أن يدركهما الجميع لمواجهة هذه الحملة وهذا التشويه:
1)الخطباء والوعاظ ومن قبلهم العلماء هم في مقام التبليغ عن الله سبحانه وتعالى، وعن رسول الله ﷺ فلابد أن يُعرَف لهذا المقام قدره ومقامه، وهذا يستدعي أن يتخلق الوعاظ والخطباء بخلق القرآن وخلق المصطفى العدنان.
2)القدوة الحسنة لها التأثير البالغ في حياة المتابعين، ومن الضروري أن يدرك الخطباء والوعاظ – ومن قبلهم العلماء- أن الناس ينظرون إليهم، ويراقبون سلوكهم، بل ويتوقعون منهم المثال الأعلى، والنموذج الأسمى للمسلم التقي النقي الطاهر الزكي.
هذه هي الصورة الكلية للموضوع وهناك واجبات تتعلق بالمواطن عموما تجاه الخطباء والعلماء، وهناك واجبات تتعلق بالخطباء والعلماء، حتى تتحقق الغاية، ويحصل المقصود من حماية هذه الفئة في المجتمع، حفاظا على معالم الدين، وحراسة لقيم المجتمع من الاندثار والضياع، وبطبيعة الحال حماية ديننا ودنيانا وآخرتنا من أن يصيبها العطب أو الضعف أو التغيير.
اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا يارب العالمين.