الكلمة الأسبوعية

إلى رجال الإعلام الكرام – 2

ببِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

 

للإعلام دوره المعلوم، وتأثيره الواضح المفهوم، في الأفراد والأمم والشعوب، وهو مثله مثل باقي مجالات الحياة، ففيه الصالح والطالح، والجيد والسيئ، والذي يظهر ويكون الأغلب هو الذي يعطي الصورة العامة عن هذا المجال أو ذاك، مع العلم أن المثل الجيد والصالح أقل بروزا وظهورا من المثل السيئ، وذلك لسهولة انتشار الأخبار السيئة، والتعميم الذي يقع من الناس عند تداولها.
وللإعلام دور واضح في إبراز الرموز وتحسين صورتهم، وجعلهم مثلا يُحتذى، وقدوة يرغب الكثير في الاقتداء بها، وهنا يكمُن التأثير الحقيقي للإعلام، فإذا عمل على إبراز شخص صالح ساهم بصورة مباشرة في إصلاح الكثير، وإذا أبرز شخصا غير صالح فهو بلا شك يساهم بصورة مباشرة في ضياع الكثير ممن يقلدونه، وقد يقول قائل: إن إبراز المثل غير الصالح ليس بالضرورة مساهمة في الفساد، وفي الحقيقة يكفي أن يجعل الكثيرين يضيعون أوقاتهم وجهدهم في تقليد شخص لا فائدة منه، فكيف بمن يلمّع المفسد، ويظهره بصورة نظيفة نزيهة طيبة خلوقة، فإنه لا شك يزين الفساد ويظهر السوء وينشر الأخلاق الرديئة.
وهنا يجب أن يسأل كل شخص يقوم بدور إعلامي ما، ما هو دورك في هذا الموضوع، (تسويق الرموز وإبراز الشخصيات)، هل تقدم للمجتمع أفرادا ناجحين في مجالات الحياة المفيدة والملتزمة بقيم الدين والمجتمع؟ أم أنك تبرز شخصيات تمثل الفساد والانحلال والتفاهة؟ أم أنك تبرز شخصيات تثير الفتن والقلاقل والمشاكل في المجتمع؟ الإجابة عن هذه التساؤلات تحدد دورك وتأثيرك في المجتمع، وبمعنى آخر، هل أنت ممن يريد أن يزداد ميزان حسناتهم، أم أنك تريد لميزان السيئات أن يعلو؟ وهنا نشمل كل من يعمل في مجال الإعلام سواء في القنوات المرئية أم المسموعة أو جميع وسائل التواصل المختلفة.
والسؤال الذي يطرحه البعض فيقول: ألّا أسوق للتافهين والمفسدين ومثيري الفتن، هل يكفي هذا في ظل العولمة الإعلامية التي تجاوزت الحدود؟ وهو سؤال وجيه وحق، وهنا لابد من تكاتف الجهود، من خلال نشر الفضائل ومن يمثلها بالصورة الفضلى حتى تكون بديلا جيدا، كما أن التحذير من الأمثلة السيئة وبيان ضررها على الفرد والمجتمع مهمة وضرورية أيضا.
لا شك أن تكاتف الجهود وتنظيمها في مواجهة هذه الحملة الكبيرة في إبراز شخصيات ضارة ومفسدة بغرض إفساد المجتمع بدءا من الفرد الواحد، لابد لهذه الجهود المضادة أن تكون منظمة ومتكاتفة وصاحبة منهجية واضحة، فالنظرة العامة للإعلام والاتصال على أنه أدوات ووسائل (هاتف، مذياع، تلفزيون، صحيفة…)، وهذا صحيح بنسبة ما، ولكنه في الحقيقة حزمة متكاملة من الوسائل والأساليب والإجراءات والتنظيم، فإن لم تعمل هذه الوسائل في إطار منظم بهدف غرس القيم وتأكيدها، فلن يكتب لها النجاح، بل تتحول إلى كارثة على المجتمع والدولة، ولهذا لابد للمسؤولين عن الإعلام سواء وزارة أو هيئة أو عموم الإعلاميين ألا ينظروا للإعلام على أنه مجموعة وسائل، بل هو برامج ومجموعة متضامنة من تخطيط السياسات والبرامج وردود فعل المتلقين، وحتى تحرز المضامين نجاحاً لابد من تقديمها في حزمة متكاملة من البرامج تعكس الأهداف والوظائف. هذه مسؤولية المجتمع ممثلة في الإدارات المسؤولة، وكذلك العاملون في هذا المجال.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى