عاممقالاتمقالات الرأي

 إنه إرهاب يهودي

د. شيروان الشميراني

الإرهاب اليهودي الذي عنونت به الموضوع ليس من عندي ولا هو من مختصين مسلمين ولا من كتّابهم، هو إستعارة وصف به رئيس الشاباك الإسرائيلي الأعمال العدائية التي يمارسها المتطرفون من المستعمرين ضدّ مدنيي قرى وبلدات الضفة الغربية المحتلة في فلسطين، رأى فيها إرهاباً يهودياً ضدالسكان الذين هم من المسلمين والمسيحيين، جاء ذلك في رسالة وجهها “رونين بار” رئيس الشاباك الى نتنياهو ووزير الدفاع ووزير الأمن قال فيها إن” ظاهرة الإرهاب اليهودي تتسع بسبب عدم الخشية من العقاب وحصول المنفذين على دعم من مسؤولين في الحكومة والكنيست”، مؤكداً على أن الظاهرة تضرّبالجيش الإسرائيلي وبعمله.

 والإرهاب وصفٌ يتجاوز العنف، وكان العنف هو الوصف الذي رآه المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند أثناء تقديمه إحاطة لمجلس الأمن في 23-8-2024 حول التطورات الأخيرة وصفاً مناسباً لإعتداءات المستعمرين اليومية، في حين كال أوصاف الإرهاب لأعمال المقاومة التي تدفع الظلم عن الاهل والعشير، فما يقوم به هؤلاء إذن يتعدّى مفهوم العنف الى الإرهاب، هذا من جانب، ومن جانب آخر إنه نعتَ تلك الاعتداءات بنعت ديني، وبما ان المرتكبين هم من اليهود فهو إرهاب يهودي، ومعتمد هذا النعت هي أنهم يمارسون تلك الأعمال المنكرة من منطلق ديني، وليس من منطلق سياسي أو سلب ونهب للأموال والممتلكات، فهي ليست سياسية ولا جنائية طبيعية فحسْب، وإنما هي فعل ديني يعتدي صاحبه به على الآخرين.

لم يتعود المسلمون على التعميم في الحكم على الأشياء والأشخاص ويتجنبه، لأن الانصاف خلق من أخلاقياتهم الرصينة، ولم يحاولوا طيلة السبعين سنة الماضية إلصاق التهم بأصحاب الأديان، وإن كان الشك معدوماً في توظيف المفردات الدينية في كل ما وجه إليهم من ظلم، كما ان للكثير من اليهود موقف سلبي ومناهض للسيطرة وغصب ونهب الأموال والأراضي والممتلكات داخل فلسطين، وموقفهم المناهض لأعمال القتل والنهب من بني قومهم نابع من موقف ديني، هذا الرفض الديني اليهودي بدأ حين بداية الحركة الصهيونية بالعمل على تحديد وطن وتأسيس دولة ووقع الاختيار على فلسطين لما لها من رمزية تساعد على الهجرة والتجمع فيها.

 إلتقيت بهؤلاء اليهود وحاخاماتهم في أكثر من مكان، لم يترددوا ولم يخافوا من تبعات الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني المغدور، كما ان الآلاف من شباب اليهود خرجوا أول ما خرجت التظاهرات في الولايات الأمريكية اعتقلت الشرطة مئات منهم، وكذلك مفكرون ومؤرخون ممن طالهم ظلم النازية، رفضوا النازية الجديدة تحت غطاء الشعب المختار، من هؤلاء [نورمان فلنكستاين وإيلان بابيه وسيجمونت باومان وناعوم تشومسكي] والمؤرخ الأمريكي “ويليام بولك” في كتابه ” الصليبية والجهاد”، ولهذا فرّق الكتاب المسلمون [ عبدالوهاب المسيري، روجيه جارودي] بين اليهودية والصهيونية، ومع أن الصهيونية لها جذور تلمودية وانجيلية، لكن لم يتخط الوصف إلى إتهام اليهود بالإرهاب، لأنه تعميم مرفوض، واقتصر على الحقيقة الملموسة والمرئية على الأرض وهي الصهيونية التي لها أصول دينية بلا شك كما لها أصول قومية يلتقيان على الأرض وحق إمتلاكها، ولم يدفع الحماس والاندفاع الكتاب المسلمين للتعامل بالمثل، أي الردّ على الأوصاف التي اطلقوها هم على الدين الإسلامي من مثل ” الإرهاب الإسلامي، الإسلام الجهادي، الفاشية الإسلامية”، وهي من المفردات التي تحضر بين فينة وأخرى في الاعلام والخطابات من الكتاب والسياسيين، أو رؤية الحرب في المنطقة على أنها حرب صليبية جديدة، لم يُستدرجوا في تيارهم العام الى هذا المربع في توظيف المفاهيم الدينية بغية إشعال نار المعركة، لأن الاديان جاءت من أجل السلام وليس من أجل الحرب.

لكن هل هي حربٌ دينية، على الأقل من منظورهم؟ يمكنك القول وأنت مطمئن ” نعم”، وهل هو إرهاب؟ بلا شك الجواب هو: نعم. في 5-8-2024 قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش إنه لا بأس بالتضحية وقتل مليوني شخص من سكان غزة لإعادة الأسرى الإسرائيليين ويكون ذلك عادلاً وأخلاقياً، ومن أجل أن يعود سكان المستعمرات الى منازلهم، في حين هناك طريق آخر لكنه لا ينسجم مع طبيعة تكوين سموتريش، وهو طريق إنساني منسجم مع الحق والمواثيق الدولية وهو تنفيذ الاتفاقيات التي تعطي حق تأسيس دولة للشعب الفلسطيني على أرضه، وبذلك يأمن اليهود على حياتهم وسلامة عائلاتهم، وهو طريق بلا كلفة إنسانية ولا يحتاج إلى إزهاق الأرواح، وكذلك ما يقوم به اتمار بن غفير من سلوكيات حيث دعا إسرائيل الى أن تكون أكثر شدة في الضفة الغربية” بالعودة إلى عمليات القتل المستهدف وهدم المباني وإقامة الحواجز وترحيل الإرهابيين ووضع عقوبة الإعدام للإرهابيين في القانون”مستخدماً مصطلحات توراتية “يهودا والسامرة”، وداعياً إلى بناء كنيس يهودي في المسجد الأقصى في الحرم القدسي.

هذا هو عين ما قال عنه رئيس الشاباك إنه إرهاب يهودي، وهي ممارسات يستعصي على العقل السليم فهمها، لا يفهمها إلا العقل المريض.

  نشرت ” فورين بوليسي” مقالاً في 26-8-2024 ل ” روزنبرغ” المحرر الاقتصادي الإسرائيلي يقول فيه ” حتى أصدقاء إسرائيل في الخارج غالبا ما يواجهون صعوبة في فهم سلوكها في الحرب بين إسرائيل وحماس وصراعاتها…من الصعب على الكثيرين ابتلاع تردد إسرائيل في السماح بما يكفي من المساعدات الإنسانية للوصول إلى غزة او عدم اكتراثها الظاهر بالوفيات الجانبية الضخمة التي ينطوي عليها إنقاذ الرهائن واستهداف قادة حماس”. ويرى في سلوكيات إسرائيل “عروضاً غير عادية لعنف الدولة وفقا لمعايير أي حكومة، ناهيك عن تلك التي تعتبر نفسها ديمقراطية ليبرالية”. فهي عنف الدولة وفقاً لفورين بوليسي وإرهاب وفقاً لرئيس الشاباك، وتبقى الإشكالية الكبرى في تقبل وتحمل القيم الامريكية لكل هذا العنف بالتعبير الناعم، والإرهاب بالتعبير الدقيق، بل ليس التقبل والتحمل فحسب وانما العمل الجاد على استمرار عنف الدولة العبرية وإرهاب اليهود المستعمرين المنحلين من كل ما يقيد الانسان في ممارساته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى