إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ
الكلمة الأسبوعية
د.سالم أبوحنك
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
قبل أن يخلق الله آدم عليه السلام، بيَّن سبحانه وتعالى مهمته على الأرض، فقال سبحانه: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ﴾، وحين أهبَطَهُ إلى الأرض بيَّن له السبيل، فقال جل في علاه: ﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُوا۟ مِنۡهَا جَمِیعࣰاۖ فَإِمَّا یَأۡتِیَنَّكُم مِّنِّی هُدࣰى فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾، وحدَّد غاية الخلق وسبب وجوده، فقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِیَعۡبُدُونِ﴾، وتعهَّد سبحانه بضمان الأجل والرزق، حيث بيَّن لنا المصطفى ﷺ بقوله: (والذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه في غير طاعة الله، فما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته).
ووفاء من الله تعالى بعهده لآدم عليه السلام، كانت الرسل تُبْعث في أقوامها تدعوهم إلى عبادة الله وحده، واتباع منهجه في الحياة، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: ﴿یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾، وهذا إبراهيم خليل الرحمن، ومن بعده يعقوب عليهما السلام يوصيان بنيهما: ﴿یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾، وأيضا رسول الله ونبيه موسى وأخوه هارون عليهما السلام، حيث قال موسى بعد نسف العجل وحرقه: ﴿إِنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡمࣰا﴾، “ولقد قال لهم هارون من قبل” ﴿یَـٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِی وَأَطِیعُوۤا۟ أَمۡرِی﴾. وهكذا كل الأنبياء والرسل كما ذكرهم الله لنبيه محمدمِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا يُوحَیۤ إِلَیۡهِ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ﴾، وكانت رسالة نبينا ورسولنا محمد الرسالة الخاتمة، رحمة الله إلى الناس أجمعين ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾، فختم الله به الرسالات وجعلها الرسالة الخاتمة والمهيمنة على ما سبقها من الرسالات ﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ﴾، ولذلك كان القول صريحا وواضحا من رب الأرض والسماوات بعد بعثة الحبيب المصطفى ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾، وهذا يدل على الكمال والتمام، وأنه لا يمكن الخلط بينه وبين أي دين آخر، ولا يحتاج أصلا إلى أي نوع من الإضافة أو التعديل.
أما ما يتعلق بالتعايش مع أصحاب الديانات الأخرى، فقد حددها المولى سبحانه في عدة أمور، منها:
1) حرية الاعتقاد ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ﴾.
2) لا اختلاط بين الأديان ﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾.
3) المعاملة الحسنة للمسالمين ﴿لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ﴾.
4) العدل في الحكم، وعدم تعميمه على الجميع، فهم ﴿لَیۡسُوا۟ سَوَاۤءࣰۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ أُمَّةࣱ قَاۤىِٕمَةࣱ یَتۡلُونَ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ ءَانَاۤءَ ٱلَّیۡلِ وَهُمۡ یَسۡجُدُونَ﴾، ﴿وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مَنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِقِنطَارࣲ یُؤَدِّهِۦۤ إِلَیۡكَ وَمِنۡهُم مَّنۡ إِن تَأۡمَنۡهُ بِدِینَارࣲ لَّا یُؤَدِّهِۦۤ إِلَیۡكَ إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَیۡهِ قَاۤىِٕمࣰاۗ ﴾.
5) حفظ أرواحهم وممتلكاتهم، يقول الرسول ﷺ، (من قتل معاهدا لم يَرَح رائحة الجنة)، وهذا ما شهد به تاريخ أصحاب الديانات الأخرى في ظل الدولة الإسلامية على مر العصور، بل حينما فر المسلمون من ظلم النصارى حينما دخلوا الأندلس فر معهم اليهود واستقروا معهم حيث استقروا في الساحل الشمالي لإفريقية.
6) التعامل معهم بالمأكل والمشرب والمصاهرة والبيع والشراء ﴿ٱلۡیَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلࣱّ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلࣱّ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِینَ غَیۡرَ مُسَـٰفِحِینَ وَلَا مُتَّخِذِیۤ أَخۡدَانࣲۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُۥ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾.
وهكذا لابد من التمييز بين ما هو من دين الله الذي هو الإسلام، وبين أسلوب التعامل مع أهل الأديان والمعتقدات الأخرى، ولابد للمسلم أن يعلم أن الله قد أوكل له مهمة عبَّر عنها الرسولﷺ ببساطة بقوله: (بَلِّغُوا عني ولو آية)، وقول ربعي بن عامر، حينما سأله رستم قائد الفرس عن مرادهم من خروجهم من بلادهم، قال ربعي: “لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”، وهذا تحقءءءيقا لقوله تعالى: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ﴾. وقوله تعالى: ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾.
وهذا يتطلب من المسلم بأن يوقن أن:
1) دين الله هو الإسلام، وهو الدين الحق، ولا يقبل الله غيره.
2) لابد أن نبلغ دعوة الله إلى كل إنسان، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
3) التبليغ يكون بالبيان والحجة والأسلوب الحسن.
4) دفع الظلم والجبروت، وكل ما يمنع وصول دعوة الله إلى الناس.
5) الاستعداد للتضحية في سبيله بكل ما نملك.
وقبل ذلك وبعده وخلاله، لا ننتظر جزاء ولا شكورا من أحد، إنما نقول ما قال أنبياء الله ورسله: ﴿وَمَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾.