الأسس الفلسفية التي تقوم عليها النظرية الليبرالية
الأسس الفلسفية التي تقوم عليها النظرية الليبرالية
فرج كُندي
المفهوم الفلسفي الذي تقوم عليه الليبرالية
إنّ الليبرالية في فلسفتها المتحكّمة في علاقاتها الدولية المتمثلة في الاقتصاد والسياسة والفنون.. لا تتصادم مع الإسلام والفطرة الإنسانية فحسب؛ بل تتصادم مع كل دين وكل منظومة قيمية أخلاقية؛ فهي تمثل تهديدًا حقيقيًا وجادًا لكل الروابط الاجتماعية والإنسانية، كما هي تمثل تهديدًا للبنية الإنسانية لحساب الفردانية المجردة الخالصة.
وقد اعتبر أحد منظري الليبرالية أن سقوط الاتحاد السوفيتي – سابقاً – هو نهاية التاريخ، اعتبر أن الليبرالية انتصرت، وأن الشعوب التي اعتمدتها كنظام سياسي واقتصادي وثقافي… قد دخلت فيما أسماه ما بعد التاريخ!!!.
الفصل بين السياسي والاقتصادي
حيث تنزع الليبرالية نحو التنظير والتأطير في العلاقات السياسية على منحى يستبعد الاعتبارات الأخلاقية ويقصيها لدرجة التأكيد على شرطيتها في تأسيس وتكون عملية المعرفة السياسية.
قيامها على رؤية للوجود الاجتماعي على أنه حصيلة تراكم فردي يمثل فيها الفرد القيمة المركزية والأساسية في الوجود المجتمعي؛ لاغية من حساباتها أي قيم أو قيمة للجماعة؛ ورافضة أي رابطة من الروابط التي تتعلق بالمصلحة؛ وجاعلة من مصلحة الفرد القاعدة الأساسية، فالفرد هو أولاً وآخرًا، ولا اعتبار للجماعة والمجتمع في رؤيتها الاجتماعية.
تنزع الليبرالية نحو الفردية والفردنة الاقتصادية اللاأخلاقية؛ أي الفرد المالك وليست تحديدًا للفرد بأخلاقه كفرد، بل الاعتبار والأساس للفرد المالك المتحكم؛ لا الفرد بكونه فردًا مطلقًا أي لا يمكنها الفصل بين الفردانية والملكية، فالارتباط شرطي، أي أنها ليبرالية فردية؛ لاغية كل القيم والأخلاق وتتلخص رؤية الليبرالية للإنسان ككائن مادي دون الالتفات إلى حاجاته وقيمه.
الاقتصاد الليبرالي والقيم الأخلاقية
يقول الدكتور محمد حركات عن فردانية الاقتصاد الليبرالي. فالمنظور الاقتصادي الليبرالي – عند معظم منظريه – ومن ضمنهم (آدم سميث) ينزع نحو تثبيت قيم نفعية لا إنسانية، ومن ثم فهو ليس محايداً أمام سؤال القيم الأخلاقية بل نافياً لهذه القيم، ومستبعداً إياها من حقل العملية الاقتصادية وتعلقاتها الاجتماعية.
كما أن منطوق ومدلول نصوصه يكشف عن هذه الرؤية اللا إنسانية، كما يفضح إيغاله في الفردانية واستبعاده لمعيار الخير العام، بمفهومه ومدلوله الإنساني الاجتماعي؛ حين يقول ((وأنا – سميث – لم أعرف أن خيرا كثيرا تحقق على أيدي من يسعون إلى الخير العام))
فلسفة الليبرالية العربية
إن بعض النخب العربية المثقفة تقول عن نفسها إنها “ليبرالية” وتحتل مواقع سياسية وثقافية مهمة على الأصعدة الوطنية في الأقطار العربية، وتلمّع على أنها الطبقة المثقفة الواعدة!!! التي تشرف على نشر الوعي العام بأهمية الحرية والديمقراطية في الوقت الذي تستنكف عن الاعتراف أو التعامل مع القوى الإسلامية، التي تمثل واقعًا أصيلًا وواسعًا في مجتمعاتها، بل تعتبرها أنها حالة مرضية خطيرة أفرزتها ظروف استثنائية طارئة يمكن تطويقها ومحاصرتها بكافة الطرق والوسائل – الشريفة وغير الشريفة – ولو بالتحالف والانضواء تحت الأنظمة الاستبدادية أو المشاركة في انقلابات مع العسكر لاستئصالها والقضاء عليها بحجة الحفاظ على الديمقراطية!!!.
انتقادات لليبرالية
وقد عاب الليبرالية ووجّه لها عدة انتقادات جوهرية عالم الاقتصاد الإنجليزي اللورد “جون كينز” منها أنها تفتقر إلى الرؤية الكلية بسبب فردانيتها؛ تنظر للمجتمع بوصفه مجموعة من الأفراد ينبغي أن تعطى لهم الحرية المطلقة في الفعل، أما المجتمع فإنه سينتظم تلقائيًا بناء على تلك العلاقات الناظمة بين أفراد أحرار في سلوكهم!!!
ويتبع كينز العديد من المفكرين الغربيين في نقد الليبرالية عرفوا فترة “بالكينزيين”.
فالليبرالية في جوهر حقيقتها تخفي كل شيء فلا تُبقي على دين ولا أخلاق، وتنسف أي منظومة أخلاقية وتمثل تهديدًا جادًا لكل روابط اجتماعية وإنسانية وتربوية، ولا اعتبار فيها إلا للإنسان الفرد المنقطع عن كل أواصر أو أعراف أخلاقية أو تربوية وقيمية.
فالليبرالية التي يتغنّى بها بعض أبناء الإسلام ويرون أنها المشروع البديل عن المبادئ والقيم الإنسانية المتمثلة في الشريعة الإسلامية في كافة مجالات النظم السياسية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها.. اليوم تتعرّض للنقد وإعادة النظر من قبل أبناء الغرب مهدها وموطنها الأول؛ الذين وجدوا فيها إجحافًا كبيرًا، وأنها غير صالحة وتحتاج إلى إعادة النظر وتطويرها وهو ما عرف – بالنيوليبرالية – أو الليبرالية الجديدة.
أي أن مجرد النظر في استمرار الليبرالية من قبل صانعيها يعني أنها تمر بأزمة ولم تعد مشروعًا مقنعًا ويعتريها القصور، وتحتاج إلى إعادة النظر في مقوماتها وأسسها ونتائجها ومآلاتها، فإن استمرارها محل نظر مشكوك فيه، فيا ليت قومي يعلمون فيعقلون ثم يعملون.