الأم والطفل …الأسرة الصغيرة ضمن الأسرة الكبيرة
الأسرة الصغيرة ضمن الأسرة الكبيرة
للأم مكانة عظيمة ومقام عالٍ في ديننا الحنيف، فقد أوصى الله بالوالدين -والأم أحد الوالدين- في قوله تعالى: {وَقَضَيٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناًۖ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ اَ۬لْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلا كَرِيما ٢٣ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ اَ۬لذُّلِّ مِنَ اَ۬لرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ اِ۪رْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَٰنِے صَغِيرا}، وأوصى بهما في ثلاثة مواضع بقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا اَ۬لْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ}، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه (أن رَجُلاً جاءَ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النّاسِ بحُسْنِ صَحابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (للذي جاءه يستأذنه في الغزو معه وله أم: الزمها، فإن الجنة عند رجلها).
ومكانة الأم نابعة من عظم مهمتها، فهي الأم الوالدة، وهي المربية الفاضلة، وهي الصدر الحنون، وهي الدفء الدائم، وهي غارسة القيم والأخلاق، وباختصار هي بانية الأجيال، ومنشئة القادة العظام والمثل العليا، فهل هناك ما هو أهم وأكثر تأثيرا منها، وقد فطن أعداء الإنسانية إلى دور الأم فعملوا على إخراجها من بيتها، مقر عملها الحقيقي، وأشغلوها بأعمال الرجل فضاع الأبناء وتولت التربية أدوات أخرى صنعوها ابتداء من الخادمة، التي لن تكون في مقام واهتمام الأم، ومرورا بالملهيات الكثيرة من ألعاب وغيرها، وانتهاء بوسائل التواصل التي يشيع فيها الانحلال والاهتمام بالماديات والتنافس فيها، فبدأت تظهر قيم وأخلاق خرجت حتى عن ثوابت الإنسانية والبشرية التي خلق الله عليها الإنسان، وتوافقت عليها كل الأديان والأعراف.
إن الاهتمام بأمر الأم باعتبار أهميتها ودورها في بناء المجتمع، يجعل الجميع من أفراد المجتمع إلى الدولة ومؤسساتها ملزمين بالاهتمام بالأمومة وإعطائها كل ما تحتاج إليه للقيام بدورها المنوط بها، وكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراق
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
والاهتمام بالأم سيقودنا إلى الاهتمام بالطفل والنشء، فأطفال اليوم هم قادة المستقبل وحامو حِماه، إن تم إعطاؤهم العناية والرعاية الكافية فسيكون الوطن مستقبلا في أيد أمينة، وعقول نظيفة ونفوس محبة لوطنها وأهلها، وإن كان الإهمال فلا ينتظر الوطن إلا الضياع، ولننتبه لكل من يريد إشغال أبناء الوطن بتوافه الأمور وإشغالهم بالشهوات وسفاسف التطلعات، ولنعمل على بنائهم البناء السليم.
الاهتمام بالأمومة والطفولة اهتمام بالأمن القومي للوطن، وما يمكن أن يصيب الأم سينعكس بالضرورة على الأولاد، وما يتعرض له الأولاد من وسائل تفسد عليهم دينهم وأخلاقهم وانتماءهم؛ سينعكس بالتالي على الوطن، وهنا يكمن الخطر، ولا بد أن تتظافر الجهود لتحقيق هذا الاهتمام، وهنا ندعو مؤسسات المجتمع المدني للعمل في مشروع واحد في مسارات متعددة؛ فالبيت والأم لهما دور عظيم وأساسي، ويأتي دور المسجد والمدرسة في المرتبة الثانية، وهناك النادي ووسائل الإعلام، وكل مؤسسات الدولة والمجتمع في المرتبة التالية.
كل الدول التي كانت في وضع التخلف وانتقلت إلى وضع متقدم ومتطور اهتمت بالأم والطفل وأعطت الأولوية للمؤسسات المرتبطة بهما فأنفقت الكثير من الأموال، وابتعثت البعوث، واستعانت بكل ذي خبرة للنهوض بهذه المؤسسات المهتمة بالأم والطفل، ونحن في بلدنا وكل البلاد الإسلامية لدينا رصيد مهم من دين وشريعة لها تأثير عظيم في النفوس، وكان لها دور مهم في نهضة الأمة في السابق ويمكن أن تحقق النهوض من جديد لو أحسنّا استخدامها.
لا نحتاج إلى أن يكون لنا يوم خاص للأم والطفل، بل نحتاج أن يكون اهتمامنا مستمرا في كل يوم وأسبوع وشهر لأن ديننا يأمرنا بالإحسان إلى الوالدين في كل وقت، ويحمِّل كل أب وأم مسؤولية تربية أبنائهما، فيقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ، فالإِمامُ راعٍ وهو مَسْؤُولٌ، والرَّجُلُ راعٍ على أهْلِهِ وهو مَسْؤُولٌ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ على بَيْتِ زَوْجِها وهي مَسْؤُولَةٌ، والعَبْدُ راعٍ على مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْؤُولٌ، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ)، وكل ذلك يكون من خلال التربية على أساس من الدين وابتغاء مرضاة الله تعالى، فهو سبحانه الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلح بهم ويصلح شأنهم.
اللهم اغفر لوالدينا وارحمهم وجازهم عنا كل خير، ووفقنا لحسن تربية أبنائنا حتى يكونوا لبنة صالحة في بناء الوطن على ما تحب وترضى، ووفق كل ذي مسؤولية للعمل بما يرضيك ويحقق لنا من الخير ما نرجو، والحمد لله رب العالمين.