عامقضايامقالاتمقالات الرأي

” الاستشارات واهميتها في استشراف المستقبل وتطوير القيادات الاستراتيجية”

صناعة القادة (3):

 

صناعة القادة (3):

د. علي جمعة العبيدي

،،،دروس مُستفادة من التفكير الاستراتيجي بالولايات المتحدة الأمريكية،،،

د. علي جمعة العبيدييساعد التفكير الاستراتيجي الأفراد والمنظمات على التكيُّف مع التغيرات وتحقيق الأهداف بشكل فعال، ويُعدُّ التنبؤ بالتغيرات مهمًّا لتطوير إستراتيجيات واضحة، وتحديد الخطوات التي يمكن أن تُتخذ للاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر.

فالتفكير الاستراتيجي هو عملية ذهنية معقدة تُركز على فهم البيئة المحيطة، والتنبؤ بالتغيرات المُحتملة، وتطوير استراتيجيات واضحة للتكيف معها والاستفادة منها، ويشمل التفكير الاستراتيجي خمس خطوات مهمة تبدأ بالسؤال ما النتائج التي تُريد تحقيقها؟ أي تحديد الأهداف ثم فهم العوامل المؤثرة على النظام والتحديات والفرص التي يمكن أن تواجهها، (تحليل البئية) ثم الإجابة على السؤال: ما التغيرات المُحتملة في السنوات المُقبلة؟ كيف يُمكن أن تُؤثر هذه التغيرات على أهدافك؟ (التنبؤ بالتغيرات)، ثم تحديد الخطوات التي يُمكن أن تُتَّخذ للتكيُّف مع التغيرات وتحقيق الأهداف بشكل فعَّال (تطوير الاستراتيجيات). وأهم شيء يجب الانتباه إليه دائمًا هو أن عملية التفكير الاستراتيجي “عملية مستمرة”، وتحتاج إلى تقييم مستمر للاستراتيجيات والتعديل عليها حسب التغيرات في العالم (التقييم والتعديل)، ففي العامين 2023م-2024م شَهِد العالم تغيرات كبيرة في السياسات العالمية والإقليمية والدولية، وسيكون لها أثر واضح جدًّا على الانتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر 2024م خاصة أحداث الشرق الأوسط، وتداعيات الحروب في المنطقة، والوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره بالوضع الأمني في الشرق الأوسط، وتقاطع المصالح بين الدول العظمى، سيحدث نهجًا جديدًا بعد نهاية الانتخابات الأمريكية، وسيشهد العالم تحالفات جديدة خاصة في المجال الاقتصادي والأمني قائم على مبدأ التعاون المشترك.
التغير والتطور السريع في التكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة وإنترنت الأشياء سيُغير النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل جذري، والتحول من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد معرفي والزيادة في التجارة العالمية ستُخلق فرصًا وتحديات جديدة، وستظهر دولة صغيرة في الحجم والمساحة ولكن سيكون لها دور مؤثر جدًّا في اقتصاد المعرفة الجديد، والتغيرات في توازن القوى العالمية وظهور قوى جديدة، والاستقطاب السياسي سيُؤثر بشكل كبير على العلاقات الدولية، وأخيرًا تغير المناخ والنِزاعات على الموارد المحدودة سيُشكل تحديات جديدة لـ “الاستقرار العالمي” خاصة مورد الماء والطاقة والعقول البشرية.
ويُمكن التنبؤ بأثر التغيرات أعلاه على وضع العالم في الفترة القادمة بعدة طرق منها الاستشراف بدراسة البيانات المتاحة والتوقعات المنطقية ولتحليل الاحصائي لتحديد اتجاهات التغير. الاستماع إلى خبراء القطاعات المختلفة والاختصاصيين في مجالات مُختلفة. ودراسة سلوك الجمهور والتغيرات في الرأي العام والتفاعلات الاجتماعية لـ فهم الاتجاهات المُستقبلية، تعتبر الثلاثة طرق أعلاه (الاستشراف للمستقبل – استشارة الخبراء – دراسة التجارب الاجتماعية) هي المنهج العلمي الحديث الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة الأمريكية في التنبؤ بالتغيرات المتوقعة في العالم، وتضع لها خطة للتعامل معها وهو ما نفتقده نحن كأمة عربية تريد أن تضع منهجًا قياديًا يقود العالم نحو الاستقرار والسلام والأمن والرفاهية.
فما لفت انتباهي في مستشارين وخبراء السياسة الخارجية في حملة انتخاب الرئيس السابق ترامب فريقه المكون من (وليد فارس – جورج بابادوبولوس – جوزيف شميتز – جوزيف كيث كيلوغ) قدرات وخبرات الفريق المتنوعة والمتميزة في مجالات متكاملة مثل التواصل والعلاقات والتقنية والمعلومات والأجهزة والمعدات والقدرة على التخطيط التكتيكي بالاستفادة من الجانب المعرفي والعملي، فالأول والثاني للإقناع والتواصل الخارجي خاصة الشرق الأوسط، والثالث والرابع لإظهار القوة والتماسك الداخلي (أمريكا أولاً)، نجد أن الفريق منسجم مع المهام الموكلة إليه والتي تتوافق مع قدراته واستعداداته وخبراته مما ساعد على تحقيق نجاحات رغم التحديات التي واجهها الفريق في شخصية الرئيس ترامب غير التقليدية والمتقلبة المزاج أحيانًا، وهنا سؤال استراتيجي، هل سيستعين ترامب بالفريق مرة أخرى في الحملة الانتخابية 2024م؟ وللحديث بقية بعد مؤتمر الحزب الجمهوري في أغسطس 2024م. وهل سيظهر (روجر ستون) مع حملة ترامب 2024م؟

ولمزيد من تسليط الضوء على قيادة أمريكا بمنهج استشراف المستقبل نُجري مقارنة بين فترة (نيكسون) في حكم أمريكا وفترة (ترامب) فهناك أوجه تشابه في (الاستقطاب السياسي – التحدّي للأنظمة الدولية – استخدام وسائل الإعلام – الاستعانة بالِـمُستَشَارِينَ قَوِيّيّ الِـمُسْتَوَى). كان نيكسون وترامب من الشخصيات المُستقطبة، فقد حققا انتصارات ساحقة في انتخابات 1972م و2016م
لكنّهما واجها معارضة قوية طوال فترة حكمهما.
استفاد كلاهما من الخطاب الشعبوي والإحباط من الطبقة السياسية التقليدية، سعى نيكسون للانفتاح على الصين وإعادة التفاوض على العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، في حين تحدّى ترامب حلف الناتو وانسحب من اتفاقيات دولية مثل اتفاق باريس للمناخ، كان نيكسون من أوائل من استخدموا “الاستراتيجيات الإعلامية” للبقاء على اتصال مباشر مع الشعب، واستغل ترامب وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق للتواصل مع قاعدة ناخبيه وَتَجاوَزَ الِـمُؤسَّسَاتِ الِـمُتَكَلمِينَ فِي الِـوَسْط. كان نيكسون يَعْتَمِدُ عَلَى فِرِيقٍ ضَخْمٍ مِن الِـمُستَشَارِينَ الِـسِيَاسِيّينَ وَالِـخَبراءِ فِي مُختلفِ الِـمَجَالَاتِ.
من أهم نجاحات القادة اختيار فريق استشاري قوي من الخبراء في مجالات متعددة بحيث يشكلون فريق عمل متناغم ومتوافق ومتنجم لتحقيق الهدف الاستراتيجي المنشود.
كيف سيشكل فريق الحملة الانتخابية للأحزاب المتنافسة في الولايات المتحدة الأمريكية 2024م؟
هل ستعود مرة أخرى سياسة (هنري كيسنجر) على السطح في السياسة الأمريكية الخارجية في 2024م؟
ما التوقعات والتنبؤات بانتخابات الولايات المتحدة الأمريكية 2024م؟

نتابع في المقالات القادمة.

*دبلوماسي ليبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى