مقالاتمقالات تربوية

التدبر القرآني وأثره في التربية (9)

 

 

 

أ. محمد العوامي

{اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43)}

اعتنى علماء الإسلام بآيات القرآن عنايةً فائقة، وعلى كثرة دراستهم واشتغالهم بها إلّا أنّ كل عالم وكل باحث يتدبّر القرآن ويبحث في أسراره ويُعمل عقله وفكره في فهم الآيات واستنباط الحكم والفوائد منها يجد شيئًا جديدًا ربّما لم يهتدِ إليه غيره من الباحثين والعلماء، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {..وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ…}

فالله أمر بتحصين صفوف المؤمنين، وحذر من كيد الكائدين ومكر الماكرين ودسائس المندسين.

■ وإليك بعض معانٍ تدبّرية من هذه الآية الكريمة:

– لا تقلق من المكر وأهله؛ ولا تمكر ولا تُعن ماكرا، فقط كن في الطريق الصحيح وفي المسار المخصص لك ولا تحمل هما لهم أبدا، فكم من مكر أرادوا إسقاطك به أو إلحاق الأذى والضرر بك ورد الله كيد الماكر في نحره وأنت لم تعلم عنه حتى مجرد العلم، وكم من مكر علمت عنه وحملت همه وإذا به يعود عليك بردا وسلاما ورفعة ونجاة، وكم من شخص سعى لإفساد سمعتك أو الحديث في نيتك فلم تزد سمعتك مع الأيام إلا علوا ولا نيتك إلا إخلاصا وإخباتا.

– رحم الله الإمام البخاري حين قيل له: “إن بعض الناس يقع فيك، فقال: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76]، وتلا أيضًا قوله تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر:43]”. يقول النبي ﷺ: “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ” صحيح ابن حبان.
وقال الكلبي: يحيق بمعنى يحيط، والحوق الإحاطة، يقال: حاق به كذا أي أحاط به.
وقال بعض الحكماء: يا أيها الظالم في فعله والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى تحصي المصائب وتنسى النعم وفي الحديث المكر والخديعة في النار.
فقوله: (في النار) يعني في الآخرة يدخل أصحابها في النار؛ لأنها من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار؛ ولهذا قال ﷺ في سياق هذا الحديث: وليس من أخلاق المؤمن المكر والخديعة والخيانة، وفي هذا أبلغ تحذير عن التخلق بهذه الأخلاق الذميمة، والخروج عن أخلاق الإيمان الكريمة.

– إن الكيد لا يضر إلا صاحبه، والمكر لا يقع في النهاية إلا على من قام به، فلا يغتر الإنسان بدهائه وذكائه، ويظن نفسه أنه داهية أو مخطط أو ماكر فإنه إنما يضر نفسه، ويحفر قبره بيده، يقول عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه: “إن البغي يصرع أهله..

– عن ابن عباس أن كعبا قال له: إني أجد في التوراة (من حفر لأخيه حفرة وقع فيها)، فقال ابن عباس: فإني أوجدك في القرآن ذلك، قال: وأين؟ قال: فاقرأ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ومن أمثال العرب (من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا) وروى الزهري أن النبيﷺ قال: “لا تمكر ولا تعن ماكرا فإن الله تعالى يقول: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولا تبغ ولا تعن باغيا فإن الله تعالى يقول: {..فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ ..} أبى الله أن يقع في البئر إلا من حفر وأن يحيـق المكر السيئ إلا بمن مكر، يقول الشاعر:
○ قضى الله أن البغي يصرع أهله◇◇وأن على الباغي تدور الدوائر.
○ ومن يحتفر بئرا ليوقع غيره◇◇سيوقع في البئر الذي هو حافر.

– يقول مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، رحمه الله: “ثَلَاثُ خِصَالٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَتْرُكَ شَيْئًا مِنْهَا أَبَدًا فَافْعَلْ:
○ لَا تَبْغِيَنَّ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) [يونس: 23] ○ ️وَلَا تَمْكُرَنَّ عَلَى أَحَدٍ مَكْرًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43] ○ ️وَلَا تَنْكُثَنَّ عَهْدًا أَبَدًا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) [الفتح: 10]”.

– ﴿استكبارا في الأرض ومكر السيء وﻻيحيق المكر السيئ إﻻ بأهله﴾ نهاية تنتظر أولئك الذين غرهم إمهال ﷲ لهم، فصاروا لا همّ لهم إلا زرع بذور الفتنة في المجتمعات الإسلامية، حين يجتمع الكبر ومكر السوء فنهاية المتكبر الماكر محتومة، من اشتد كِبْره كثر مكره وقلّ اعتباره، يظن أن حيلته تنجيه من سنة الله في أمثاله، لا تنوي الشر لغيرك، وتبحث عن توفيق الله.

■ وفيما يأتي بيانٌ لبعض الثمرات المستفادة من هذه الآية الكريمة:

1. المسؤولية الشخصية والعدالة: “ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله” تبعث على ترسيخ مفهوم المسؤولية الشخصية، حيث يُعلِّم القرآن أن العواقب تنتظر الشخص الذي ينوي الشر ويخطط للإيذاء، تدفع هذه الفكرة الأفراد إلى التصرف بعدالة واحترام تجاه الآخرين.
2.الصدق والنزاهة: تشجيع الأفراد على تجنب الخداع والمكر، والتحلّي بالصدق والنزاهة في تعاملهم، القيم القرآنية تهدف إلى تكوين شخصيات متقنة تقوم على أسس الأمانة والصدق.
3.مكافحة الغيبة والنميمة: “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله” تحث على تجنب نشر الشائعات والنميمة، حيث يتم تأكيد أن الغيبة والتشهير لن تلحق إلا بمن يتسبب فيها.
4.التفكير الإيجابي والعمل الصالح: تشجيع الأفراد على التفكير الإيجابي والتركيز على الأعمال الصالحة، حيث يُظهِر القرآن أن المكر والشر لن ينجحان في إيذاء الأشخاص الذين يسعون للخير.
5. تعزيز الأخلاق القوية: الآية تعزِّز الأخلاق القوية مثل التواضع والاعتبار وعدم التفاخر والاستكبار، وهي قيم تساهم في بناء شخصيات متوازنة.

* بعضها بتصرف من مقالات التدبر لهذه الآية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى