التربية القرآنية وأثرها في تربية الجيل.. (بر الوالدين أنموذجًا)
التربية القرآنية وأثرها في تربية الجيل.. (بر الوالدين أنموذجًا)
أ. محمد العوامي
القرآن الكريم يعتبر مصدرًا أساسيًا للهداية والتوجيه في حياة المسلمين، فهو يحتوي على مجموعة قيم ومبادئ تساهم في تربية الأجيال على الأخلاق الحميدة والسلوكيات الحسنة، ومن بين هذه القيم، تأتي قيمة بر الوالدين بمكانة مهمة، حيث يجب تعليمها للأبناء.
وتأتي على سبيل المثال في سورة الإسراء آية تذكر بر الوالدين، حيث قال تعالى:
{۞وَقَضَيٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناًۖ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ اَ۬لْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفّٖ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاٗ كَرِيماٗۖ (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ اَ۬لذُّلِّ مِنَ اَ۬لرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ اِ۪رْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَٰنِے صَغِيراٗۖ } (الإسراء: 23 – 24)،
▪️ “وَقَضَيٰ”: أي أمر وألزم وأوجب .
قال ابن عباس والحسن وقتادة: وليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر.
▪️ أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: {وَقَضَيٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰناًۖ..}.
▪️فكل قول وفعل يحصل به منفعـة للوالدين أو سرور لهما فإن ذلك من الإحسان.
ولم يقيد ذلك بالوالدين الذين لم يقصروا في حق أبنائهم بل أطلقه.. فالأب يبقى أبا وإن كان مقصرا.. الله سيسأله عن تقصيره ويحاسبه.. وسيسأل الابن عن تقصيره. فلا تقابل إساءته بإساءة وأبشر بالجبر من الجبار سيعوضك عوضا لا يخطر ببالك.
▪️ من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما؛ فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف، وبذلك وردت السنة الثابتة.
▪️ لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما.
▪️{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا}- أي: إذا وصلا إلى هذا السن الذي تضعف فيه قواهما ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هو معروف، ويحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ فلذلك خص هذه الحالة بالذكر.
▪️{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم وهذا أدنى مراتب الأذى نبه به على ما سواه، والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}- أي: تزجرهما وتتكلم لهما كلاما خشنا، {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} بلفظ يحبانه وتأدب وتلطف بكلام لين حسن يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما، وذلك يختلف باختلاف الأحوال والعوائد والأزمان.
▪️{وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ اَ۬لذُّلِّ مِنَ اَ۬لرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ اِ۪رْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَٰنِے صَغِيراٗۖ}
وكُنْ لأمك وأبيك ذليلا متواضعًا رحمة بهما، واطلب من ربك أن يرحمهما برحمته الواسعة أحياءً وأمواتًا، كما صبرا على تربيتك طفلا ضعيف الحول والقوة.
قال القرطبي رحمه الله: “فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة، في أقواله وسكناته ونظره، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب.”
ثم قال: “ثم أمر – تعالى – عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك؛ إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما، وأسهرا ليلهما، وجاعا وأشبعاك، وتعريا وكسواك، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر، فتلي منهما ما وليا منك، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم.
قال – صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
في الختام، يمكن القول إن الهدي القرآني وأثره في تربية الجيل من خلال بر الوالدين هو موضوع مهم وشامل، حيث يتضمن العديد من القيم والأخلاق التي ينبغي علينا جميعاً التزامها في حياتنا اليومية. ومن خلال الاستفادة من التفاسير والمراجع الإسلامية، يمكننا الوصول إلى فهم أفضل لما يجب علينا فعله لتربية جيل مثالي ينشر الخير والإيجابية في المجتمع.