`التوجيهات التربوية المستنبطة من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}`
`التوجيهات التربوية المستنبطة من قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}
أ. محمد العوامي
□ هل تساءلت يومًا لماذا يؤخر الله عقاب الظالمين؟ ربما رأيت بعضهم يعيش حياة رغدة، فتشككت في عدل الله، يقول ابن عاشور في تفسيره: “والمعنى: أنهم فيما كسبوه من الشرك والعناد أحرياء بتعجيل العقوبة؛ لكن الله يمهلهم إلى أمد معلوم مقدر، وفي ذلك التأجيل رحمة بالناس بتمكين بعضهم من مهلة التدارك، وإعادة النظر، وفيه استبقاؤهم على حالهم زمنا.”
ايضا الإجابة تكمن في قوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون}، مما يعني أن الله لا ينسى ظلم أحد، ولكنه يؤخر عقابهم ليوم الحساب.
تأتي هذه الآية العظيمة لتذكرنا بعدل الله المطلق وحكمته في تأجيل العقاب للظالمين.
إنها تسكب الطمأنينة في قلوب المؤمنين، وتؤكد أن الله يرى كل شيء ويعلم كل شيء، ولا يخفى عليه ظلم الظالمين.
إن في ذلك توجيهات تربوية عظيمة يجب أن نستخلصها ونعمل بها في حياتنا:
1. الإيمان بعدل الله وحكمته: أول توجيه تربوي نستنبطه من الآية هو الإيمان العميق بعدل الله وحكمته في تدبير الأمور. فالظلم مهما طال، فإن الله لا يغفل عنه، وقد يؤخر العقاب لحكمة يعلمها هو. قال الله تعالى: {إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} (يونس: 44).
وقد قيل “إن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالظلم ليظهر للخلق عدله، ويُعزّ المؤمنين في الدنيا والآخرة”.
2. الصبر والثبات: تحث الآية المؤمنين على الصبر والثبات في مواجهة الظلم والابتلاءات. وقد تكرر ذكر الصبر في القرآن الكريم أكثر من مئة مرة؛ فيها أثنى الله تعالى على الصابرين، وذكر بمواقف صبرهم وتحملهم ونوه لثوابهم، فقد تحمل المسلمون الأوائل الكثير من الجراحات والتضحيات، وكانوا يعلمون أن النصر يأتي بعد الصبر.
قال النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” (رواه مسلم).
وقال تعالى: ﴿فاصبر صبرا جميلا﴾ [المعارج: 5]. يقول سيد قطب: «الصبر الجميل هو الصبر المطمئن، الذي لا يصاحبه السخط، ولا القلق، ولا الشك في صدق الوعد؛ صبر الواثق من العاقبة، الراضي بقدر الله».
وعرفه ابن عاشور بأنه: «الصبر الحسن في نوعه، وهو الذي لا يخالطه شيء مما ينافي حقيقة الصبر، أي اصبر صبرا محضا، فإن جمال الحقائق الكاملة بخلوصها عما يعكر معناها من بقايا أضدادها».
3. التذكير باليوم الآخر: تذكرنا الآية بأهمية الاستعداد ليوم القيامة، يوم تشخص فيه الأبصار من هول الموقف، هذا يدفع المؤمنين للاستعداد لهذا اليوم بالأعمال الصالحة والابتعاد عن الظلم.
قال الله تعالى: {يوم يقوم الناس لرب العالمين} (المطففين: 6).
وما من أحد إلا وسيقف بين يدي الله، فيسأله عن كل صغيرة وكبيرة وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي ﷺ قال: “ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان، ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة”.
4. التحذير من الظلم: تبرز الآية عاقبة الظالمين وتذكر أن الله يؤخر عقابهم ليوم القيامة. هذا التحذير يدعو المؤمنين إلى تجنب الظلم بكل أشكاله، الظلم عاقبته وخيمة، ولو اعتبر الناس بعاقبة الظلم وما حل بالظالمين من عقاب معجل في الدنيا قبل الآخرة، واتعظوا بذلك؛ لأحجموا عن الظلم وابتعدوا عنه.
قال النبي ﷺ “اتَّقُوا الظُّلمَ ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ” (رواه مسلم).
5. الثقة بنصر الله: تعزز الآية ثقة المؤمنين بأن الله سينتصر لهم في النهاية، وأن الحق سيظهر مهما طال الزمن. قال الله تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين} (القصص: 5).
كما قيل: “إن الحق قد يظهر في الوقت الذي لا يتوقعه الظالمون، فالله يمهل ولا يهمل”.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: “بَشِّرْ هذه الأُمةَ بِالسَّناءِ، و الدِّينِ، والرِّفعةِ والنَّصرِ، والتَّمكينِ في الأرضِ، فمَنْ عَمِلَ مِنهمْ عَمَلَ الآخرةِ للدُّنْيا، لَمْ يَكُنْ له في الآخرةِ من نَصيبٍ”. أخرجه أحمد، والحاكم ، والبيهقي في شعب الإيمان باختلاف يسير.
□ إن التوجيهات التربوية المستنبطة من هذه الآية تدعونا إلى الثبات على الحق، والتحلي بالصبر، والإيمان بعدل الله وحكمته، والاستعداد ليوم القيامة، وتجنب الظلم، والثقة بنصر الله. هذه المعاني العظيمة تساهم في بناء شخصية المؤمن القوي الواثق بوعد الله، الصابر في مواجهة التحديات، والمبتعد عن الظلم بكل أشكاله. “واعلموا أن الإسلام وأهله مرُّوا بكروب شديدة، ومحن كثيرة عظيمة، خرجوا منها أقوى صفًّا، وأصلب عودًا، وأعزَّ اللهُ الإسلامَ، وليس بغائبٍ عنكم فتنةُ وابتلاء المغول، الذين أرادوا محو الإسلام عن الأرض، واستئصال شأفة المسلمين، ولكن الصادقين من هذه الأمة أوقفوا زحفهم.”
نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.