عامقضايامقالاتمقالات الرأي

الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران: تداعيات وخيارات المستقبل

أ. خليل البطران

مقدمة

في يونيو 2025، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة تصعيد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، حيث نفذت إسرائيل ضربات جوية واسعة استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية في قلب إيران، وردّت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة على الأراضي الإسرائيلية. هذه المواجهة المفتوحة لم تكن مجرد حدث عسكري، بل انعكاس لتوترات استراتيجية عميقة تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها.

السياق والتطورات الأولية

بدأ التصعيد بعد تحذيرات إسرائيلية متكررة من أنشطة نووية إيرانية مشبوهة، وصلت إلى ذروتها في 12 يونيو حين نفذت إسرائيل عملية “الأسد الصاعد” التي استهدفت أكثر من 200 موقع إيراني حساس، متضمنة المنشآت النووية في نطنز وأصفهان، بالإضافة إلى اغتيالات لعدد من قادة الحرس الثوري والعلماء النوويين.

في المقابل، ردّت إيران في 13 يونيو بإطلاق أكثر من 100 صاروخ باليستي وحوالي 150 صاروخًا أرض-أرض، إضافة إلى مئات الطائرات المسيّرة، مستهدفة مدنًا إسرائيلية كبرى مثل تل أبيب والقدس، ما أدى إلى وقوع إصابات وأضرار مادية رغم الاعتراضات الجوية المكثفة.

ضعف إيران الداخلي وتحديات قدرتها العسكرية

يقول مراقبون إن إيران في هذه المواجهة أثبتت عجزها عن حماية نفسها، بل وحماية علمائها الذين تم اغتيالهم ببساطة، وهذا الضعف يُعزى إلى الاختراق الكبير الذي حققه جهاز الموساد الإسرائيلي داخل الجمهورية الإيرانية. يرى الكثير من المحللين أن إيران لم تعد تملك سوى أذرعها الإقليمية التي تشكل مصدر قوتها، لكن هذه الأذرع تعرضت لضربات قاسية: تحجيم حزب الله في لبنان، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والضربات الأمريكية التي شلت الحوثي في اليمن. كل ذلك أدى إلى تضييق رقعة الشطرنج التي تلعب بها إيران في المنطقة، ما يجعل خياراتها العسكرية أقل وأضعف.

الخسائر الإيرانية في المواجهة الأخيرة

1.الخسائر العسكرية

اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، قُتل في الضربات الإسرائيلية.

اللواء محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، قُتل في الهجوم ذاته.

اللواء غلام علي رشيد، قائد مقر خاتم الأنبياء، وهو أحد كبار القادة العسكريين في الحرس الثوري.

2.الخسائر النووية

الدكتور فريدون عباسي دواني، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية سابقًا، وأحد أبرز العلماء النوويين.

الدكتور محمد مهدي طهراني، رئيس جامعة آزاد الإسلامية في طهران، له دور بارز في مجال الطاقة النووية.

الدكتور عبد الحميد مينوشهر، أستاذ في الهندسة النووية، ساهم في تطوير البرنامج النووي الإيراني.

الدكتور أحمد رضا ذو الفقاري، أستاذ جامعي متخصص في الفيزياء النووية.

الدكتور أمير حسين فقهي، متخصص في مجال الطاقة النووية.

الدكتور مطلبي زاده، أستاذ في الهندسة النووية.

3. الخسائر البشرية الأخرى

إلى جانب القادة والعلماء، سقط عدد من الجنود والضباط في الحرس الثوري، بالإضافة إلى مدنيين في المناطق المستهدفة، ما زاد من حجم الخسائر الإجمالية لإيران.

احتمالية سعي إسرائيل لتغيير النظام الإيراني

يرى بعض المحللين أن الأهداف الإسرائيلية قد تتجاوز مجرد الردع أو تقليص القدرات العسكرية الإيرانية، لتصل إلى محاولة التأثير على بنية النظام السياسي الإيراني نفسه. العمليات المستمرة التي تستهدف قادة وعلماء بارزين داخل إيران تشير إلى رغبة إسرائيل في إضعاف النظام داخليًا، وقد لا يُستبعد أن تكون هناك نية لإحداث تغييرات جوهرية أو دفع إيران إلى إعادة تقييم سياساتها الداخلية والخارجية.

هذا السيناريو يضيف بعدًا جديدًا للصراع، حيث لا يتعلق الأمر فقط بصراع تقني وعسكري، بل بصراع على مستقبل النظام السياسي الإيراني وتأثيره على الاستقرار الإقليمي.

التداعيات الإقليمية والدولية

لاقت المواجهة صدى واسعاً دولياً:

الولايات المتحدة دعمت إسرائيل استخبارياً ودفاعياً، لكنها تجنبت المشاركة المباشرة.

روسيا والصين دانتا الضربات الإسرائيلية، ونددتا بتصعيد التوتر.

دول الخليج اتخذت موقف الحياد الرسمي مع تعزيز الاستعدادات الأمنية.

على الصعيد الإقليمي، تميز الوضع بعدم تدخل مباشر من حلفاء إيران في لبنان والعراق، على الرغم من حالة التأهب القصوى.

هذه الديناميكيات تشير إلى خوف من تحول الصراع إلى حرب إقليمية شاملة قد تجر دولًا أخرى للمعركة.

توازن القوى والقدرات العسكرية

تمتلك إسرائيل تفوقًا جويًا وتكنولوجيًا مع منظومات دفاع جوي متقدمة مثل “القبة الحديدية”، بالإضافة إلى قدرات هجومية عالية الدقة.

إيران، رغم الضربات التي تلقتها، حافظت على قوة الردع بصواريخها الباليستية والطائرات المسيّرة التي أثبتت قدرتها على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، مما يجعل الصراع مستمرًا في دائرة تصعيد يصعب كسرها.

السيناريوهات المحتملة للمستقبل القريب

1. تصعيد مستمر: مع استمرار الهجمات المتبادلة، قد يتوسع الصراع ليشمل ميليشيات في لبنان واليمن والعراق، أو حتى تحركات بحرية في مضيق هرمز.

2. تجميد مؤقت: تدخل دولي للضغط على الطرفين لوقف إطلاق النار، مع احتمالية استئناف المواجهات لاحقًا.

3. حرب إقليمية شاملة: احتمال منخفض لكنه خطير، قد يؤدي إلى تغيرات جذرية في الخريطة السياسية والأمنية بالمنطقة.

4. خطر نووي: رغم أن إيران لم تعلن امتلاكها أسلحة نووية، فإن استهداف منشآتها النووية يزيد من مخاطر حوادث إشعاعية أو رد فعل نووي محتمل.

خاتمة

الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل صراع إيديولوجي واستراتيجي يعكس تعقيدات التوازنات الإقليمية والدولية. تداعيات هذه المواجهة تمتد بعيداً إلى أمن الطاقة العالمي واستقرار المنطقة، وتفتح الباب أمام أسئلة عميقة حول مستقبل العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.

إن متابعة تطورات هذا الصراع تتطلب وعيًا دقيقًا وتحليلاً مستمرًا، فالموقف اليوم قد يحدد ملامح المنطقة لعقود قادمة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى