الحياة مواقف فلا تكن نذلا.

أ. فرج كريكش
أعترف ابتداء أن هذا المقال مرعب بالنسبة لي على الأقل !
فالحديث عن العقوبات الالهية الاستثنائية الخارقة وسوء الخاتمة ونحن أحياء مجازفة كبرى ،لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ،ولا يغتر بستر الله إلا غافل مستدرج ، ولكن حسبي أنني سأتناول الموضوع من وحي الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل العزيز الحميد وحسبي أن مشاهد القرآن ليست حكرا على الشخوص الذين ذكروا فيها فحسب ، فكم من قارون خرج على قومه في سيارته ، وكم من حمالة للحطب تدير مؤسسة إعلامية برأس مال زوجها والذي ليس شرطا أن يكون أبا لهب ، وكم من عابد تعرفه وأعرفه سولت له نفسه فاتخذ من دون الله ءالهة ليكونوا له عزا فكفروا بتطبيله وتمجيده وتحميده وكانوا عليه ضدا !!
عندما تدعو الله مُلحاً أن يحقق لك شيئا معجزا استثنائيا لا يمكن تصديق أنه تحقق !
فإن عقوبة النكوص بعد تلك الاستجابة حينئذ ستكون استثنائية ولا يطيقها أحد!!
قال الحوارين لعيسى عليه السلام من شدة جوعهم هل تستطيع أن تدعو ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟
وبغض النظر عن اختلاف المفسرين حول استفهام الاستطاعة من الله أو من عيسى عليه السلام ، إلا أن عيسى عليه السلام كان يدرك خطورة الخوض في هكذا مجازفة ومغامرة قد تودي بهم إلى عقوبة لا تطاق
(قالَ: اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ )
ولكنهم -وهم الحواريون – كانوا مصرين على هذه المعجزة التي من تأليفهم
( قالوا: نُريدُ أَن نَأكُلَ مِنها وَتَطمَئِنَّ قُلوبُنا وَنَعلَمَ أَن قَد صَدَقتَنا وَنَكونَ عَلَيها مِنَ الشّاهِدينَ )
فلم ير بدا من الاستجابة لإلحاحهم فتوجه إلى ربه بدعاء خفف فيه من غلواء جرأتهم ( قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ : اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنزِل عَلَينا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكونُ لَنا عيدًا لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنكَ وَارزُقنا وَأَنتَ خَيرُ الرّازِقينَ )
فماذا كانت الإجابة والتي لا تخص الذين تجرأوا منكم خاصة وإنما تخص كل الذين استجاب لهم ربهم بكرامة ومعجزة تخرق عالم الأسباب
(قالَ اللَّهُ : إِنّي مُنَزِّلُها عَلَيكُم فَمَن يَكفُر بَعدُ مِنكُم فَإِنّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العالَمينَ )
أي وعيد وأي تهديد مرعب هذا ؟ ومن أجل ماذا مائدة ؟ كلا ولكن لأنك تورطت في خداع الله
وأنت من الحوارين ؟
أتعرف ماذا قال الحواريون – في بعض الروايات – بعد أن أبلغوا بهذا الوعيد الرباني المخيف ؟
لقد تراجعوا عن طلبهم خوفا وقالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل !
وهل أتاك حديث الصحابي الذي سأل رسول الله أن يدعو له بالثراء والغنى فلما جادله رسول الله صلى عليه وسلم في ذلك واعظا إياه بأنه قد لا يكون مؤهلا لذلك الغنى فيطغيه فأصر وألح وضرب على صدره أنه إن حدث وصار غنيا، فإنه سيكون أول المتصدقين ، ولما حدثت الكرامة المعجزة ولم يكن الرجل مؤهلا ولا جاهزا لها ، امتنع عن دفع الزكاة وترك الصلاة إلا يوم الجمعة
( وَمِنهُم مَن عاهَدَ اللَّهَ لَئِن آتانا مِن فَضلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكونَنَّ مِنَ الصّالِحينَ ، فَلَمّا آتاهُم مِن فَضلِهِ بَخِلوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُم مُعرِضونَ )
فماذا كانت النتيجة ؟
﴿فَأَعقَبَهُم نِفاقًا في قُلوبِهِم إِلى يَومِ يَلقَونَهُ بِما أَخلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدوهُ وَبِما كانوا يَكذِبونَ )
إياك أن يخصك الله بالمن والسلوى فتحن للبقل والفوم والعدس والبصل فيضرب عليك ذلا ومسكنة تجعلك حديث الساعة و( ترندا ) أو ( هاشتاجا ) في مواقع التواصل الاجتماعي ، ومضربا مهينا للأمثال .
أن بستجيب الله لك بكرامة خارقة تعرف من نفسك أنها خارج عالم الأسباب فذلك موقف كبير جدا لا مجال فيه لأن تكون نذلا ً
كن -إن استطعت أن تكون – زكريا ،
وحين يقال : (فَاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنا لَهُ زَوجَهُ ) ،
يقال كذلك (( إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ) )
تبسم ضاحكا ًحينما يكرمك الله بما لم تكن تحلم أو تتخيل وقل :
( رب أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَدخِلني بِرَحمَتِكَ في عِبادِكَ الصّالِحينَ )
إن لم تكن تقوى على الابتسام أو الحمد فتراجع من قريب فإن الأمر جد !
إياك أن تستعجل الكرامة قبل أوان قطف الثمار أو تنفس الصباح أو تباشير النجاح خصوصا وأنك قد أديت ما عليك عبادةً ودعاءً وأخذاً بالأسباب فإن الله قادر على أن بنزل آية ولكن (وَما يُشعِرُكُم أَنَّها إِذا جاءَت لا يُؤمِنونَ ؟ ، وَنُقَلِّبُ أَفئِدَتَهُم وَأَبصارَهُم كَما لَم يُؤمِنوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُم في طُغيانِهِم يَعمَهونَ )
وحينها تكون الآية حجة عليك وليست على الإطلاق لك !
في الختام والمقام ليس مقام شماتة ولا تشفي ، إذا رأيت أن العقوبة كانت قاسية جدا وخارجة عن المألوف فتأكد أن العطية كانت كريمة وجزيلة وامتحانا صعبا ، وكان الكفران مشينا جدا !!
اللهم إني أسألك ختاما جميلا وسترا ويسرا وشكرا وعافية وهدى
سلسلة مقالات كيمياء السعادة