مقالاتمقالات الرأيمقالات فكرية

الشخصية الخلافية

الشخصية الخلافية

بقلم/ فرج كُندي

المراد بالاختلاف: هو الاختلاف الذي بعث الله النبيين ليحكموا فيما بين المختلفين، كما قال تعالى: ((كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه))، وذلك الاختلاف فى الآراء والنحل والأديان المتعلقة بما يسعد الإنسان به أو يشقى في الدنيا والآخرة.
وهذا اختلاف بين الأطراف في الفكر والعقيدة أو المنهج وهناك اختلاف محمود، واختلاف مذموم. والمحمود هو اختلاف الاجتهاد والتنوّع والإثراء، والمذموم هو اختلاف التنابز والصراع والخلاف لمجرد الخلاف، وهو موضوعنا الذي ندندن حوله.
لوجود شخصيات يمكن أن نطلق عليها أنها خلافية بامتياز لأنها لا تختلف؛ ولكن تخالف وتجعل من الخلاف قاعدة ومرتكزا تبنى عليه أفكارها وتصوراتها وأحكامها عليه دون تمعّن أو دراسة ونقد علمي؛ حبا في الاختلاف وتبعا للخلاف في حد ذاته كمنهج تفكير وأسلوب حياة. وهذه المواصفات تتميز بها الشخصية ذات المزاج العصبي والطبيعة الخلافية، وتتميز هذه الشخصية بكونها تتبنى خطابا حادا وتشدد في رؤية الآخر، ولا تجد حرجًا في الكذب والافتراء على المخالف، وهي تتبنى نهجا متشددا في المعايير والأحكام وتنطوي على روح الترصّد والانتقاء، وتبتعد بل تغيب تمامًا عن منهج الباحثين والمنصفين والعقلاء.
وهي في طبيعتها الخاصة شمولية أحادية غير مستعدة؛ لقبول الاختلاف ولا تميل إلى الاعتراف بوجوده لا من حيث الشكل ولا من حيث الأصل والهوية فهي من الشمول بحيث لا تقبل الاختلاف ولا الحوار ولا وجود الآخر، ولا ترى إلا نفسها، ولا ترضى بوجود غيرها.
وللوهلة الأولى تعطيك الشخصية الخلافية انطباعًا بالهدوء والمظهر الحسن والسكينة مع التمظهر بتديّن شكلي ولفظي يوحي بالتزام مفرط، والغلو في إظهار التمسك بالشعائر التعبدية المصاحبة للغلظة في السلوك تخفي وراءها رغبة شديدة في التسلط والحرص القوي على المغالبة والانتصار بشتى الوسائل، منها الاتهام والتشويه وإطلاق الكلام على عواهله دون تثبّت.
كما أن أهم ما يميز الشخصية الخلافية بكونها ساكنة ساكتة مع القوي المتغلب الذي يمتلك زمام القوة بكافة أشكالها وصورها سواء كانت قوة سياسية أو مالية أو وجاهة أو سلطان. وتتصف الشخصية الخلافية بتمركز وتموقع حول الذات وتقوقع على فكر محدد غير قابل للنقاش أو النظر، ويتمحور حول فكرة: “أنا الحق وما سواي باطل” إلى درجة طغيان (الأنا النرجسية) الموغلة فى حب الذات والانصهار والانبهار بالمشروع والمنهج الذي تتموضع حوله وتنصهر فيه دون الرغبة في تطوير الذات أو البحث والنظر فيما سواه من أفكار ورؤى وتصورات أخرى، أي أن الشخصية الخلافية لا تسمح بل الأساس في تفكيرها وسلوكها هو الغلبة والثأر والهزيمة للآخر ماديا ومعنويا، بل لا ترى سوى الإزالة من الوجود لكل من لا يتفق معها، بل بكل من لا يكون منها ومعها.
وأخيرا؛ فالشخصية الخلافية تعيش القطيعة والتقاطع بين أفراد المجتمع وبين الأجيال والأرحام وتؤثر في تماسك المجتمع، وتعمل على خلخلة وحلحلة الرابطة واللحمة الاجتماعية، وتكرّس مفهوم الجمود، وتقضي على قيمة الحوار، وتلغي مفهوم تبادل الآراء وتلاقح الأفكار بين مكونات المجتمع المختلفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى