الظلم ظلمات يوم القيامة

الشيخ د / سالم الشيخي
{ حين شعرتُ بها… لم أجد سوى البكاء }
عملت في ميدان الإصلاح الأسري أكثر من خمسة وعشرين عامًا، وخلال هذه الرحلة الطويلة علّمت نفسي أن أتحرّر من العاطفة عند الاستماع، وأن أُخلي قلبي من الانحياز، لأُحكّم العقل، وأزن الأمور بميزان العدل، وأصغي للطرفين قبل أن أضع الكلمة أو المشورة في موضعها.
كنت أظنّ أنني تدرّبت بما يكفي لأبقى حياديًّا مهما كانت التفاصيل، لكنني اليوم وأنا أقلّب ملفات الماضي، توقّفت عند قضية قديمة… وأبكتني.
نعم، بكيت. نعم بكيت بحرقة وألم.
كانت امرأة مسكينة، مكسورة الجناح، لا ذنب لها إلا أنها أحبّت زوجها وأخلصت له، ومع ذلك عاشت أعوامًا في الهجر المعنوي والجسدي القاسي، لا لذنب ارتكبته، لكن لأن زوجها أراد أن يمارس رجولته عبر سلطته المطلقة. هُجرت دون سبب، سُخِر منها، واستهزئ بها، وتلقت من الكلام الجارح ما تنوء بحمله الجبال، بل وتعرضت للتهديد بالضرب، والإذلال، والتقليل من إنسانيتها، حتى كادت تفقد ثقتها بنفسها.
استمعتُ يومذاك لزوجها، وانتظرت منه دفاعًا أو تسويغًا، لكنه أقرّ بصوتٍ خافتٍ لا يخلو من الاضطراب، أنه صنيعة بيئة قاسية، وتربية جافة، ومجتمع تسلّطي جعله يرى القسوة رجولة، والتسلّط قوة، والتقليل من المرأة نوعًا من “الهيبة”.
أعود إلى اللحظة… نعم، بكيت، ليس ضعفًا، ولكن وجعًا على قلبٍ هشّ ديس عليه بلا رحمة.
رفعت يدي بالدعاء والدموع تنهمر، أستنجد برحمة الله وعفوه، أدعو لأولئك الرجال بالهداية، وبالشفاء العاجل من مرض “جَاهِلِيَّة الذُّكُورِيَّةِ” التي لا تمتّ للرجولة بصلة. دعوت الله أن يُصلحهم لنسائهم، أو يفتح للنساء أبواب الخلاص من ظلم من لا يخافون الله فيهنّ.