العدل في الإسلام.. نور يهدي دروب البشرية
العدل في الإسلام.. نور يهدي دروب البشرية
أ. أحمد حمزة
يحرص الإسلام الحنيف على بناء مجتمع يتّسم بالعدل والمساواة والرحمة، فهو دين يدعو إلى العدل في جميع الجوانب الحياتية؛ فالعدل هو قيمة أساسية في الإسلام، تتجلى في تعامل المسلمين مع بعضهم البعض ومع الآخرين، وتتجسد في أنظمة الحكم والقوانين والقضاء. ويشكل القرآن الكريم والأحاديث النبوية وقصص الصحابة مصادر مهمة لفهم وتطبيق مفهوم العدل في الإسلام.
تأتينا آية قرآنية تلقي الضوء على أهمية العدل في الإسلام، حيث يقول الله تعالى في سورة النساء (الآية 135): “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”.
تنبعث من هذه الآية مبادئ العدل في الإسلام، حيث يحثّ المؤمنين على أن يكونوا قوّامين بالقسط، وأن يكونوا شهداء لله في تحقيق العدل، حتى ولو كان ذلك ضد أنفسهم أو أهلهم أو أقاربهم. تعلّمنا هذه الآية أن العدل لا يعتبر مرتبطًا بالعواطف الشخصية أو المنافع الذاتية، بل يجب أن يكون قوامًا يقوم على تحقيق مبدأ العدل بغض النظر عن الظروف والأشخاص المعنيين.
ومن خلال النظر إلى سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، نجد العدل متجسدًا في كل تفاصيل حياته. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعامل الجميع بالعدل والمساواة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الطبقة الاجتماعية. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “الناس سواسية كأسنان المشط”، مؤكدًا بذلك أن جميع البشر متساوون أمام الله، وأن العدل ينبغي أن يتجاوز جميع العوامل الخارجية.
لنجد قصة تاريخية تبرز قيمة العدل في الإسلام، نستعرض موقفًا من عهد الخليفة الثالث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في إحدى المرات، قام امرأة فقيرة بتوجيه شكوى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشأن ضياع مالها. فعاين عمر الأمر بنفسه وقرر أن يعوض المرأة من بيت خزانة الدولة. عندما علم الخليفة بأن المال الذي سيستخدم لتعويض المرأة يعود إليه من ميراثه الشخصي، قرر أن يدخل في حالة الفقر التي كانت تعيشها المرأة بنفسها، وقد أدخل عائلته في هذه الحالة أيضًا، ليتمكن من توزيع الأموال على المحتاجين بشكل عادل. هذا الموقف يجسد روح العدل والتضحية التي كان يتحلى بها الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا.
إن العدل في الإسلام ليس مجرد قيمة فردية، بل هو نهج حضاري واجتماعي يسعى لإقامة عدالة اجتماعية شاملة. يدعونا الإسلام إلى توفير العدل في جميع مظاهر الحياة، بدءًا من الحكومة والقوانين وصولًا إلى المجتمع الصغير والتعاملات اليومية. ومن خلال مراعاة مفهوم العدل وتطبيقه في حياتنا، سنعيش في مجتمع يسوده السلام والتسامح والرخاء.
فلنكن قدوة حسنة في تعاملنا مع الآخرين ولنتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق العدل والمساواة. ولنتذكر دائمًا قول الله تعالى في سورة الحديد (الآية 25): “لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ”.
إن إقامة العدل في المجتمع هو رسالة الإسلام السامية. فلنعمل جميعًا على تحقيق العدل في حياتنا اليومية ونكون قدوة حسنة للآخرين، حتى نستمد النور والهداية من رحمة الله ورسوله، ونجد في قرب الله ورضاه سعادتنا وسلامنا.