مقالات الرأي

العولمة والاندماج والتنوع الثقافي

أ. مراد فياض

في الأسبوع الأول من بطولة كأس العالم المقامة في قطر حاليا، قامت بلدية لندن بإزالة الإعلانات التي كانت معلقة سابقا عن كأس العالم من وسائل المواصلات، وذلك كجزء من موجة إعلامية وسياسية أطلقتها بعض دول شمال أوروبا ضد الدولة المضيفة؛ بالتزامن مع انطلاق البطولة. وكانت نقطة التوتر الأساسية في ذلك الأسبوع متعلقة برفض دولة قطر مجاراة مطالبات هذه الدول في قضايا تشريعية تتعارض مع القيم الدينية والأخلاقية لدولة مسلمة.

المثير للاهتمام في هذه الخطوة التي اتخذتها بلدية لندن أن عميد بلدية لندن حاليا مسلم من أصول باكستانية (صديق خان), لكن وجوده في المنصب لم يمنعه من أن يكون أداة لحملة الكراهية الحاصلة ضد قيم العفة الإسلامية، خصوصا مع تبنيه مسبقا لأيدولوجيا الليبرو-يسار الغربي سياسيا، التي تحاول خلق نموذج خاص بها من الإسلام المحور.

وهنا نأتي لقضية مهمة متعلقة بقبول المسلمين في منظومة السياسة والحكم الغربية. هل الهدف فقط وجود أشخاص بلون بشرة غامق واسم نطقه عربي كي تتوهم الجالية المسلمة أنها ممَثَّلة، أم الهدف أن يكون مسلمًا اعتقادا وعملا يدافع عن حقوق وقيم ومصالح المسلمين الحقيقية (الديني منها قبل حتى الدنيوي) في هذا البلد وخارج البلد، كما تفعل مثلا الجالية اليهودية.

في رأيي هناك عينات من نموذج المسلم الممثل فعليا لقيمه في الوصول إلى بعض المناصب، لكنها بالكاد تكون موجودة، ولا شك أن تحدي إقحام عدد معتبر منهم كبير جدا.

لكن الخوف من تسويق نموذج الذين يقدمون أيدولوجيات أحزابهم الغربية ومصالحها على قيم الإسلام، تسويقهم كمثال عن الانفتاح الغربي على مشاركة المسلمين السياسية، وهي في الواقع أقرب ما تكون من نوع الانفتاح الثقافي الذي يقوم بإضافة طبق “فلافل” أو “شاورما” إلى قائمة وجبات مطاعم ” الفاست فود ” السريعة، كمظهر من مظاهر التنوع في المطبخ. لكن ” الشاورما ” مهما وضعت عليها من توابل وبهارات شرقية، لا يمكن أن تكون ” شاورما ” حلالا إذا استعملت لحم خنزير أو وُضع عليها نبيذ عند الطبخ.

المفارقة من ناحية أخرى، أنه وبحلول الأسبوع الثاني من البطولة، وبعد تسريب أخبار عن تهديد قطر بسحب استثماراتها من المملكة المتحدة؛ بسبب التحريض الإعلامي ضدها، بدأ هناك تغير نسبي ولكن ملحوظ من قبل الوسائل الإعلامية الغربية تجاه الدولة المضيفة، توج هذا التغير في نهاية الأسبوع الثاني بتصريح من رئيس وزراء بريطانيا نفسه ” ريشي سوناك ” على حسابه الرسمي في موقع “”تويتر””  يهنئ فيه دولة قطر على التنظيم المميز للبطولة، في تغير 180 درجة عن الرواية التي كانت سائدة قبل أسبوعين لدى المنظومة السياسية والإعلامية الحاكمة في المملكة المتحدة.

هذه المفارقات قد تمثل إضاءات مهمة في إدراكنا لكيفية عمل منظومة العولمة الدولية، وأين هي مساحات التفاعل والاشتباك معها، بعيدا عن المثالية الطوباوية التي تسوق بها نفسها من جهة، وبعيدا عن العدمية السلبية في التعاطي معها من جهة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى