الكلمة الأسبوعية

الفرصة الأخيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تمر الساعات، وتتوالى الأيام، ويمضي الزمان في دورته، وهذا شهر رمضان المبارك قد مضى أغلبه، وبقيت منه أيام قليلة، ولكنها أثمنها وأغلاها، ففيها ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومهما كان سلوكنا في الأيام الأولى فما زالت الفرصة متاحة، والوقت مناسبا لاغتنامها، وكان حبيبنا محمد ﷺ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ، وهذا كان حال أصحابه رضوان الله عليهم من بعده، والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا.
إن مما يعين على اغتنام هذه الفرصة:
1) اليقين بفضل الله وجميل عطاياه، فهو سبحانه لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، إنما هي كما قال سبحانه في الحديث القدسي: (إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ)، وهو الذي وعد بمضاعفة الأجور ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰ⁠لَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِی كُلِّ سُنۢبُلَةࣲ مِّا۟ئَةُ حَبَّةࣲۗ وَٱللَّهُ یُضَـٰعِفُ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیمٌ﴾، وكما أخبرنا الحبيب المصطفى ﷺ (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعفُ؛ الحسنةُ بعشرِ أمثالِها، إلى سَبْعِمائةِ ضِعفٍ)
2) التصديق يقينا بما أخبرنا به المولى سبحانه عن ليلة القدر ﴿ لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَیۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ﴾، وما أخبرنا به الحبيب المصطفى ﷺ (تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ) رواه البخاري.
3) العلم يقينا بأنه لا يوجد ضمان للقاء فرصة أخرى بعد هذه الفرصة، فكم من أناس كانوا معنا في العام الماضي وهم اليوم قد واراهم الثرى، ولذلك لا بد من اغتنامها قبل أن تذهب بلا عودة.
4) هي فرصة لتعويض ما فات، بل وغفران ما قد مضى من الذنوب والآثام فضلا عن التقصير وقلة العمل، فقد أخبرنا رسولنا الكريم ﷺ (مَن يَقُمْ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ
له ما تَقدَّمَ من ذَنبِه) “متفق عليه”
5) هي فرصة قليل وقتها (أياما معدودات)، بسيطٌ الجهد المبذول لها، ولكنها عظيمة الأجر، جليلة القدر، فلماذا لا نغتنمها ونصبر على الطاعات فيها، ونحتسب الأجر من المولى سبحانه؟
6) الجو العام يساعد على الطاعات، فالمساجد مفتوحة وعمارها قائمون، والشياطين مسلسلة، والنفس قد روضها الصوم، فهل هناك فرصة أجمل من هذه الفرصة؟
ومع ذلك يجد الكثير صعوبة وعوائق في توفير هذا الوقت القليل والجهد البسيط، ويسير وراء الأهواء، ويلتمس إمضاء الوقت ما بين المسلسلات الهابطة والأسواق الصاخبة والجلسات المضيعة للوقت فيما لا طائل من ورائه، وهنا يحتاج الإنسان المسلم إلى من يعينه؛ فلابد أن يلجأ إلى مولاه، ويستعين بالصالحين وصحبتهم، ويذكر نفسه ببضاعته المزجاة التي سيلقى بها الله، فيزداد حرصا ويتمسك بهذه الفرصة الأخيرة.
اللهم لولاك ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزلن رحماتك وبركاتك وعونك علينا، وتقبل منا بفضلك ومنِّك وجودك يا رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى