القيم الإنسانية وتكريمها…في المنهج التربوي الإسلامي
ا. فرحات الهوني
إن المنهج التربوي الإسلامي لا يربي المسلم ليكون مواطن صالح فقط… بل يربيه ليكون إنسانا صالحا ، هذا الإنسان أينما رحل ونزل يحمل هذه القيم معه فالمسلم في بلاد المسلمين أو غيرها هو إنسان يحمل قيم إنسانية تخضع فيها إلى الرقابة الإلهية التي يحمله في نفسه أن الله مطلع عليه وأنه سبحانه لا تخفى عليه خافية قبل أن تخضع للقوانين ، ومن هنا كان مناط التكريم الإلهي لهذا الإنسان.
يقول الدكتور حسن الخطاف في مقاله “استشعار المسؤولية في القرآن الكريم”:
“إنَّ المسؤولية في القرآن الكريم هي مقصد عالٍ من مقاصد الشريعة، وهي مرتبطة بتكريم الإنسان وتكليفه، وإنَّ الإنسان مسؤول في الدنيا والآخرة ما دام يملك الإرادة والقدرة، لكنَّها مسؤولية شخصية إلا إذا أغرى الإنسان غيره أو فتنه فإنه يتحمل مسؤولية جُرم غيره”.
فالاخلاق السيئة مثل الكذب والسرقة والاحتيال والنصب والقتل والظلم وغيرها محرم ولا يجوز للمسلم أن يتوطى فيها في أي مكان من الدنيا بحجة أنها دول كافرة.
لقد برئ الله يهودي عندما أتهم بالسرقة وسطرت آيات تتلى إلى يوم القيامة كما ورد قوله تعالى ( ومن يكسب خطيئة أو أثما ثم يرمي به بريئا فقد أحتمل بهتانا واثما مبينا) سورة النساء آية112.
وحث الإسلام على قيمة التسامح والعفو وتعميق صلة الرحم و العلاقات الاجتماعية وحسن الجوار والتعارف البشري وهو غاية من غايات الخلق.
وعلمنا القرآن اداب الحرب وعدم الاعتداء والجنوح للسلم و وصايا رسول الله صل الله عليه وسلم للجنود بعدم قتل المرأة والطفل ومن لم يقاتلكم كما في قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة آية 8.
و نهى عن حرق البيوت والاشجار والهدم وغيرها واعتبر أن أحياء نفس بشرية كأنما أحيا الناس جميعا وقتلها بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا بعموم البشرية كما ورد في قوله تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا…) سورة المائدة (آية32).
بل حتى في تعاملنا مع الحيوان فقد دخلت امرأة الجنة في كلب سقته كما ورد في الحديث.
ونحافظ على البيئة من إماطة الأذى عن الطريق وعدم رمي القذورات وقطع الأشجار وحرقها…و لم يحدد مكان الفسيلة التي يغرسها المسلم عند قيام الساعة في دار الإسلام أو غيرها.
الخير يفعله المسلم في كل مكان نزل فيه وكلنا يعلم فتح شرق آسيا تم بالمعاملة الإنسانية الراقية من التجار المسلمين.
وفي التاريخ الاسلامي كان لا يعرف للمسلمين دار عجزة أو دار أيتام فبر الوالدين واجب شرعي على الابناء وبيوت المسلمين تتسابق لكفالة اليتيم لما فيه من أجر وثواب وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرف لليهودي المسن مال من بيت المسلمين
فقد جاء التكريم الإلهي للإنسان بجنسه ولوته وعرقه وعلمه وجهله ومدنبته وبداوته لا يفرقهم تكريما إلا بمقدار التقوى لله ، وهذا يمثل فرق شاسع بين الإنسان في المنهج الإسلامي والإنسان في المناهج الآخرة يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي – رحمه الله- في كتابه “فلسفة مفهوم الإنسان” بين نظرة الغرب ونظرة الإسلام :
“الواقع أن فلسفة الإنسان لا زالت في الغرب رهينة تعابير ومصطلحات لا تسمح للذهن الغربي أن يتصور وحدة الإنسان ، وتضامن ملحمته على وجه الأرض ، فهناك كلمات ((وألقاب مثل الزنوج ، الأسود ، الجلد الأحمر)) تعبر في الغرب عن عينات إنسانية سفلى وهناك عبارات تضفي على بعض الأجناس صفات أو ألقاباً معينة إلى الأبد….
فإذا تحدثنا عن “فلسفة الإنسان في الإسلام” فإننا نعبر عن نوع اتصال بالإنسان خاص ، وضع فيه الإسلام أساساً غيبياً ، حتى الضمير الإسلامي لا يمكنه أن يفصل مفهوم “الأنسان” عن هذا الأساس الغيبي ، دون أن ينفصل هو عن الإسلام الذي قرن هذا المفهوم بتكريم الله: (ولقد كرمنا بني آدم)….
((وهذا التكريم ليس خاصاً بالعربي أو المسلم بل بذرية آدم كلها)) ، وكما هو منتظر فإن هذا التكريم له آثاره المحسوسة في الحياة: في التشريع وفي الآداب وفي العادات.
وفي رحلات العرب إبان العصر الذهبي ، مثل رحلات ابن بطوطة والمسعودي وأبي الفداء فإننا لا نجد فيما يكتبون عن الشعوب والقبائل البدائية المكتشفة أي ثرثرة تشوه إنسانية هذه الشعوب ، ولا نرى في اتصالهم بها أي آثار للكبرياء في علاقات الإنسان العربي المتحضر إزاء الإنسان البدائي ، ولا نجد فيما يكتبه الرحالة العرب المصطلحات التي تعبر عن الإنسان بالتشويه ، والسخرية والاحتقار مثل العبارات التي اوجدتها لغة الاستعمار للتعبير عن الإنسان المستعمر”.
ولهذا اعتنى الإسلام بالتربية منذ كان المسلمين بمكة وكانت الدعوة في مهدها فقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يربي أصحابه في دار الأرقم بن أبي الأرقم ويغرس فيهم هذه القيم الإنسانية بالمنهج الرباني القويم والذي وصلنا غضًا طريا.