مقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

المحن في طيّاتها منح

 

المحن في طيّاتها منح

أ. مصباح بوكرش الورفلي

المحن بصورها الظاهرة مؤلمة ووقعها كبير علينا لأننا نكابد في جنباتنا آلامها ونتجرّع مرارتها ونكتوي بحرقتها ولا نعلم ماذا تحمل في بواطنها وطيّاتها..

المحن والمصائب قدر الله النافذ والمكتوب اللازم للعبد، ولايزال المؤمن في هذه الدنيا في نصب وكبد ومشاق إلى أن يلقى الله، ولا يدرك المؤمن المبتلى أين تكمن مصلحته والحكمة في ابتلائه ولنا في قصة الغلام مع العبد الصالح بسورة الكهف خير دليل، لم يصبر نبي الله موسى عليه السلام على ظاهر الحادثة المفجعة القتل بغير حق دون معرفة أسبابها والحكمة منها فكان ردّه العتاب..

إن كل بلاء يقدره الله على العبد فهو من تمام مصلحته، والله لا يقدر ما يقدر إلا لحكمة ولا نعلم أين تكمن حكمته لأننا نجهل ما تخبئه طياتها من منح يصعب علينا في حينها معرفتها.

مصابنا الجلل الذي ألمّ بنا إثر إعصار دانيال وما تبعه من فضيانات سبّبّت أضرارا فادحة في الأرواح والممتلكات في مناطق متفرقة بالمنطقة الشرقية والضرر الأكبر نال المدينة الزاهرة “درنة” مخلّفًا دمارا هائلا جرف خيرة من أهلها ومعالمها ودفائنها من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كانت فاجعة لم تعيها العقول ولا خطرت ببال أحدنا، أفقنا، والناجون منهم مذعورون مصدومون، تلهث ألستنا بذكر الله مسلّمة الأمر له، راجين لطفه في هذا القدر المحتوم.

صور الكارثة الأولى التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي مخيفة كأنها آية من آياته، وما إن انبلج ضوء النهار وأقلعت السماء وغيض الماء، صدمنا من حجم الآثار الناجمة التي خلّفها انهمار الماء بعد انهيار السدين وكيف أحدث جرفا غائرا بواديها وقلوبنا، لم يبق سوى أطلال تتهاوى من هول الكارثة وأصداء من آنين المفجعين والمكلومين.

لكن بارقة الأمل أبت إلا أن ترسل في أفق المحنة وميضها وأول وميضها تنادي الليبيين جميعا غربا وشرقا وجنوبا، ملبين نداءات الاستغاثة؛ حاملة قوافلهم عديد الحاجيات، بفزعة رجل واحد تعالوا عن خلافاتهم تناسوا جراحهم وصراعاتهم تسارعوا في هبّة واحدة تجاوزت كل تلك الخلافات.

وكأن قدر هذه المدينة الزاهرة أن تلم شمل الليبيين وتوحّد صفّهم، كما حدث من قرن ونصف أو يزيد عندما أصبحت درنة نقطة التقاء لليبيين جميعًا شرقا وغربا، ها هي اليوم تعيد شيئا من تاريخها لتقول لليبيين جميعا درنة رغم جرحها النازف تجمعكم وتوحّد صفّكم؛ فكونوا قدر المسؤولية الوطنية ولبوا نداء الوطن.

ولا ندري كم من محن أخرى في طيات هذه المحنة الكبيرة ولكن حسبنا، نحن المسلمين المؤمنين بقضاء الله وقدره، أنا نعلم علم اليقين ما يساق للمؤمن الصابر والمحتسب على البلاء والمحن، من الأجور العظيمة وما يرفع به من الدرجات بسبب تلك المكابدات والمشاق والصبر والجلد، ولو لم يكن في تلك المحن والابتلاءات للمؤمن بعد الصبر والاحتساب؛ إلاّ الجنة ولقاء أحبته الذين فارقوه في هذه المحن، لكفته، فسبحان من جعل في طيات المحن منحًا وله الحمد على ما كتب وقدّر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى