مقالاتمقالات الرأي

المرابطون في الأقصى والعلو الأخير لبني إسرائيل

د. عطية عدلان

مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
(لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) نبوءةٌ نبويةٌ صحيحةٌ وصادقة، تُصور واقعًا مشهودا ممدودا وتستشرف مستقبلا صاعدًا واعدا، فهؤلاء المرابطون في الأقصى وفي أكناف بيت المقدس هم الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها حتى يأتي أمر الله، فإنْ كنتَ تراهم ظاهرين منصورين رغم ما يتعرضون له من تنكيل وتكبيل؛ فأنت صاحبُ رؤيةٍ صائبة ونظرة ثاقبة، صحيحٌ أنّ المشهد مؤلمٌ ومثير للفزع، صحيحٌ أنّ ما بلغنا من صور الإهانة والاجتياح الغشوم يثير في النفس شعورا طاغيا بالقهر، لكنّنا على يقين من أنّ المقاومة مستمرة، وأنّ الرباط دائم، وأنّ ما يصيب العدو من الألم ليس بأقل مما أصابنا (إنْ تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون)، فكُنْ على ثقة من ثبات هذه الفئة المجاهدة، واجتهد في الدعاء لهم، وابذل ما تستطيع لدعمهم، ثم أَعِرْني ولو فَضْل إنصاتك.

لا تنس أنّ الذين اقتحموا الأقصى، ودنَّسوه برجسهم وأحذيتهم، وقيدوا العاكفين والقائمين والركع السجود من خلف، وطرحوهم في الأرض على وجوههم، وأوسعوا المرابطين في المسجد ضربًا وشتما وتوبيخا؛ ليسوا جنودًا للكيان الصهيونيّ وحده، فما كان لإسرائيل مهما بلغت من الطغيان والهمجية أن تَقْدُمَ على أمر كهذا، ولا أن ترتكب المذابح التي تتوالى على الأرض المباركة؛ إلا وقد أسندت ظهرها على من حولها من طغاة العرب، أولئك الذين كشفت الأحداث التي انتهت بهم جميعا إلى التطبيع الكامل مع الكيان الصهيونيّ عن أنّهم صهاينة أقحاح وإن لم يكونوا من جلدة اليهود أو من نسلهم، وأنّ كل طلقة خرجت صَوْبَ مسلم مرابط في سبيل الله قد باركَتْها وصَوَّبَتْها وسدّدتها الأنظمة العربية كافّة، وأنّ كل زناد في يد كلب من كلاب الصهاينة قد تزاحمت عليه أصابع هؤلاء المطبعين جميعا.
وإذَنْ فلا يوجد طريق لتحرير الأقصى لا يمر من عواصم تلك الكيانات النّكدة، وهذا يعني أنّ قضيتنا واحدة وأنّ مشروعنا للتغيير والتمكين واحد، ليس فقط لأنّ عدونا واحد وإن تعددت رؤوسه وتوزعت أذنابه، ولكن – قبل ذلك – لأنّنا أمّةٌ واحدة صاحبة رسالة واحدة، أمةٌ دينُها واحد وقبلتُها واحدة ووجهتُها كذلك واحدة، فلا وجود لما يسمى بالقضية الفلسطينية أو الأزمة السورية أو النكبة اليمنية أو غير ذلك من الأسماء التي فرّقت مشروعنا وجعلَتْ سهامَنا التي نستهدف بها أعداءنا ترتَدّ في وجوهنا أو تقع في خنادق إخواننا، لا وجود إلا لقضية واحدة، تشعبت نوازلها، لكنّها واحدة، وهي (هوان الأمة الإسلامية وتحكم العدو بمصيرها)، هذه القضية الواحدة نزلت بكل أرض من أرض الإسلام على صورة من الصور أو قالب من القوالب، واختلاف القوالب والصور لا يجعلها قضايا متعددة، هذا مع بقاء النازلة الفلسطينية رأس النوازل ومحورها؛ لكونها حلت بمركز الأمة وعقر دار الإسلام.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الله تعالى قد قضى وحكم – ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه – بأنّ الطائفة الظاهرة المنصورة لا يخلوا منها زمان، فالفعل (لا تزال) الذي يفيد الاستمرار والدوام يؤكد هذه الحقيقة؛ لذلك كُنْ على يقين من أنّ المقاومة مستمرة وأنّ الرباط دائم وأنّ الجهاد والقتال في الأقصى وفي أكناف بيت المقدس لن يتوقف، ولن يوهن من عزمه خُذلانُ الجرذان، حتى يأتي أمر الله، وإنّه لآت وكل آت قريب، بل إنّه وشيك؛ ألا ترى ما يجري في العالم كلِّه من تدافعات كبرى؟ وما يجري داخل الكيان الصهيونيّ ذاتِهِ من تصدعات مُنْذِرةٍ بقرب انهياره؟ بل ألا ترى الأمة الإسلامية برغم الضربات الموجعة تصحو وتنتبه وتستوعب الدرس وتستعصي على كل محاولات السلخ عن الإسلام؟!
لكن في المقابل لا تغفل عن حقيقة ربما يجهلها الكثيرون وهي أنّ المؤمنين ستارُ قدرة الله تعالى في أخذ المجرمين والتمكين للإسلام والمسلمين، فأين دورُك في المشروع الإسلاميّ الكبير الشامل؟! وهل تعرف هذا المشروع؟ إنّ وضعَ المشروع الإسلاميّ وجمعَ كلمة المسلمين عليه هو واجب الوقت وفريضة الزمان الغائبة، إنّه مشروع الاستخلاف، الذي يأخذ الأمة عبر مراحل متصلة، من الإعداد إلى التغيير إلى البناء، إنّه المشروع الذي يتخذ من مرجعية الكتاب والسنة وسيرة النبيّ وخلفائه الراشدين منطلقا إلى إقامة الدين، ويكتشف ما في الجيل من طاقات ومواهب واستعدادات ويسخرها في تحقيق نهضة الأمة، ويبصر التحديات والعوائق ويضع لها حلولا واقعية حكيمة، ولا يخضع لثقافة الغالب ولا لهيمنته الفكرية، ويحسن توجيه وترشيد واستثمار ودعم المقاومة لتستمر في دفعها للصهاينة، ورفعها لراية الجهاد في سبيل الله؛ إلى أن تدركها جموع الموحدين، ويعمل على توسيع قاعدة المقاومة الرشيدة واستنساخها لمواجهة العدوان الذي يقع على المسلمين، إنّه المشروع الذي يتوازى فيه التنظير مع العمل، وتتجاور فيه الشعائر التعبدية مع الأعمال التنموية، وتبرز الشورى كخيط ناظم للعمل المستمر الدائب.
وأخيرا فإنّه من المستحيل أن يكون للكيان الصهيونيّ دوام أو استقرار في وجود هذا القانون المحكم: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)) (الإسراء: 4-7).

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى