المصطلح وتعدد المفاهيم ( الصهيوني)
أ. محمد خليفة نصر
*مفكر ليبي
الصهاينة ثلاثة؛ يهودي ومسيحي ومسلم. اليهودي يتحول إلى صهيوني في خطوة واحدة، أما المسلم فيتحول إلى صهيوني في خطوتين: في الأولى يرتد يهوديًا وفي الثانية يتحول صهيونيًا. بقي المسيحي؛ وهو يهودي لا يعلم أنه يهودي، وكما سنرى بعد قليل.
ما يجمع الصهاينة على اختلاف مشاربهم هدف واحد، هو جعل فلسطين وطنًا لليهود على حساب الفلسطينيين. وسأشرح فيما يلي من فقرات كيف يعمل الصهاينة الثلاثة لصالح دولة بني إسرائيل منذ أن كانت حلمًا وحتى أمست كابوسًا، للمسلمين واليهود على السواء.
أ) الصهيوني اليهــودي.
في سنة 1897 عقد اجتماع لممثلي يهود العالم في مدينة بازل بسويسرا، وكان على رأس المجتمعين ثيودور هرتزل (1860-1904). في الاجتماع وضع برنامج من أربع نقاط، وسمي برنامج بازل، وكانت نقاطه كالتالي: 1) تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين، 2) تنظيم اليهود على مستوى العالم، وفي كل دولة حسب قوانينها الخاصة.3) الحصول على اعتراف بوطن لليهود في فلسطين طبقًا للقانون العام. 4) الاتصال بالدول الكبرى لوضع البرنامج موضع التطبيق.
وانتهى المؤتمر إلى مقررات هي الآتية: 1) كل من يقبل برنامج بازل يصبح صهيونيًا، 2) تخصيص مليون جنيه إسترليني لتنفيذ المشروع، 3) انشاء الوكالة اليهودية لتكون الجهاز التنفيذي للمشروع.
كل من يقبل مشروع بازل ويساهم في تنفيذه يكون صهيونيًا بغض النظر عن يهوديته، لكن ذلك لم يكن واضحًا من أول لحظة، ونظرًا لمحدودية هذا المقال، لن اتجاوز صهاينة أهل الكتاب الذين فرغنا من اليهود منهم، وبقي إخوانهم من النصارى والمسلمين.
ب) الصهيوني المسيحي.
في وصف حقيقة المسيحي يقول فريدريش نيتشه: “ذاك الذي ظل لألفي سنة يسمي نفسه مسيحيًا هو مجرد سوء فهم سيكولوجي للذات” . فالمسيحي قد “يشعر بنفسه معاديًا لليهودية دون أن يكون قادرًا على أن يفهم أنه النتيجة النهائية لليهودية”! فـ”المسيحي [عند نيتشه] ليس شيئًا آخر سوى يهودي بعقيدة أكثر انفتاحًا”.
العمق والموسوعية التي ينظر بها نيتشه في عالم الأفكار جعلته يعتقد أن المسيحية مؤامرة يهودية نفذها بنجاح بولس الرسول. نجحت المؤامرة في دحر الحضارة الإغريقية-الرومانية في عقر دارها (روما)، وإذا بالأوربيين يصبحون يهود أو يعيشون بقيم يهودية وهم لا يشعرون. وقد يكون في جمع القرآن لليهود والنصارى على أنهم أهل الكتاب ما يجعل الفروق بينهم قليلة الأهمية بالنسبة لموقفهم من الإسلام.
لا غرابة إذن في أن يجعل نيتشه من الحضارة اليهودية-المسيحية قضية أخلاقية بابعاد نفسية، حيث يقول: “قدمت في جنيالوجيا الأخلاق لأول مرة طرحًا سيكولوجيًا للتناقض بين أخلاق نبيلة وأخلاق الضغينة، تكون الأخيرة فيه ناشئة عن نفي للأولى: لكن هذه هي الأخلاق المسيحية-اليهودية في كلها وتمامها”.
هذه الفقرة تقول: 1) هناك اخلاق نبيلة واخلاق ضغينة، 2) اخلاق الضغينة ناشئة عن نفي الاخلاق النبيلة، 3) اخلاق الضغينة هي اخلاق أوربا اليهودية-المسيحية.
لنحاول الآن قراءة الفقرة بمفردات الإسلام منهج تفكير: 1) الإسلام هو الاخلاق النبيلة، إذ بُعث محمد صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الاخلاق. 2) عدم الايمان بالذي كان خلقه القرآن اخفاق أخلاقي مزدوج؛ فالكفر بمحمد اخفاق أول والكفر بما انزل عليه اخفاق ثان. 3) أهل الكتاب يحملون ضغينة للمسلمين متفرعة عن كفرهم بمحمد وما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، 4) أخلاق الضغينة يمكن أن يكتسبها أي انسان بما في ذلك المسلم الذي انقلب يهوديًا.
هذا المسلم الذي انقلب يهوديًا أصبح من أهل الكتاب ( = حمل صفاتهم) دون أن يعي شيئًا من ذلك يمكن أن ينتهي صهيونيًا إذا وقف مع دولة بني إسرائيل ضدًا على ضحاياها الفلسطينيين، فالصهيونية موقف سياسي وليست دين، لذا اتفق العالم على جواز نقد الصهيونية بغض النظر عمن اتصف بها.
ج) الصهيوني المسلـم.
اليهودي يتقدم خطوة إلى الأمام فيصبح مسلمًا، والمسلم يرجع خطوة إلى الوراء فينقلب يهوديًا. وما تقدم يصعب استيعابه على عقول متكلسة تعتقد أن اليهودي يبقى يهوديًا إلى الأبد والمسلم يبقى مسلمًا إلى الأبد، بالرغم من أن الأثر يخبرنا عن إمكانية انقلاب المسلم يهوديًا، إذ ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من ترك الحج مع القدرة يموت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا.
الحج يؤدى إيمانًا بالله واتباعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم. وأهل الكتاب يؤمنون بالله ويكفرون بمحمد وما أنزل على محمد، فإيمانهم بالله لا حج فيه لأن الحج مفروض بالكتاب والسنة وهم يكفرون بكليهما. من آمن بالله ورفض الحج يكون يهوديًا أو نصرانيًا حقيقة، إذا كان من أهل الكتاب، وحكمًا إذا كان من المسلمين لكنه يرفض تأدية ركن الحج مع القدرة.
وما سلف صورة من صور سير المسلم إلى الوراء في الدين، ولكنها ليست الصورة الوحيدة، فمن سار سيرة أهل الكتاب واتصف بصفاتهم أو حمل خصائصهم أصبح منهم. وسأذكر بإيجاز صفات أهل الكتاب، لأنتقل بعدها إلى كيف يتصهين المسلم بعد تحوله يهوديًا.
أول صفات أهل الكتاب أنهم “نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم”. ونبذ الكتاب (القرآن) منتشر الآن في بلاد المسلمين وبين مدعي الإسلام. وثاني صفات أهل الكتاب اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم اربابًا من دون الله، يحلون لهم ما حرم الله ويحرمون عليهم ما أمر الله به. وثالث صفات أهل الكتاب ولا سيما أحبارهم ورهبانهم هي الصد عن سبيل الله، ورابع صفاتهم أكل أموال الناس بالباطل، وليس هناك ما هو أوسع انتشارًا اليوم من الصد عن سبيل الله وأكل أموال الناس بالباطل الذي يجعل منه الاحبار أمرًا مشروعًا، يباركونه ويشاركون فيه.
بعض أحبار المسلمين مثل نظرائهم من أهل الكتاب يحلون للطاغوت شرب الخمر واللواط ويحرمون على المسلمين الخروج عليه بحجة أنه ولي الأمر. أحبار اليهود ورهبان النصارى ونظرائهم من المسلمين لا يفرقون بين الطاغوت وولي الأمر، فهم شركاء في عبادة الطاغوت. ومن صفات أهل الكتاب المنتشرة بين ادعياء الإسلام في بلاد المسلمين هي أكل السحت وقولهم “إنما البيع مثل الربا” وحربهم التي لا هوادة فيها على الصيرفة الإسلامية.
نحن لا ندرك عدد المتسربلين بالإسلام وهم من أهل الكتاب في الحقيقة، ولا تنكشف حقيقة هؤلاء إلا عندما يتحولوا إلى صهاينة جهارًا نهارًا. هذا التحول لن يراه أعمى البصيرة، لأن هذا النوع من العميان يعتقد أن منتهى الذكاء السير سيرة المغضوب عليهم والضالين. ومآل السير على صراط المغضوب عليهم والضالين تحول المسلم إلى ما يسميه المسيري “اليهودي الوظيفي”، الذي قد يصلي معنا العشاء لأن ذلك من مقتضيات الوظيفة.
اسم اليهودي الوظيفي قد يكون القذافي أو ابن سلمان أو ابن زايد لكن الأعمى لن يرى ذلك! القذافي مول فصل جنوب السودان عن شماله، إذ كان يمد الجهتين بالمال والسلاح. ومن غرائب المصادفات أن ينتهي عهد القذافي في السنة التي انفصل فيها جنوب السودان عن شماله، وكما لو أن مقاولًا قد نفذ مشروعه وانصرف بعد أن أنهي عمله.
وابن زايد هو اليهودي الوظيفي الذي ينفق بغير حساب على فصل برقة عن طرابلس، وتخريب ما تبقى من السودان وتشريد البقية الباقية من السودانيين، لأن تقسيم المقسم مما يضمن بقاء دولة بني إسرائيل. الغافل يعتقد أن القذافي بذر أموال ليبيا وابن زايد ينفق أموال الإمارات، بينما الحقيقة الخافية على العوام هي أن أموال المسلمين تنفق على تخريب بلادهم.
لا أحد يعلم متى تحول الكثير من مسلمي العرب إلى يهود، ولكن عندما التقى الجمعان كشف “اليهودي الوظيفي” عن هويته الصهيونية ليقف مع إسرائيل ضد المقاومة الاسلامية.
لأول مرة منذ غزوة الأحزاب يقف العرب واليهود في جانب والمسلمين في جانب، مع فارق بسيط وهو أن العرب في غزوة الأحزاب كانوا جاهلية، أما عرب اليوم فهم أهل الكتاب (القرآن) الذين نبذوه وراء ظهورهم. نبذ اليهودي الوظيفي القرآن وراء ظهره، واصطف إلى جانب نظرائه من اليهود والنصارى الذين كفروا بمحمد وما انزل على محمد، وإذا بالصهاينة الثلاثة صفًا واحدًا في الحرب على الإسلام في “دار الإسلام” التاريخية حيث الفراغ لا غير! البعض يسمي هذا الفراغ “السنة والجماعة”!