مقالاتمقالات تربوية

النصيحة وأثرها في حفظ الشريعة – مراتب النصيحة .

 

د. نجوغو امباكي صمب ( السنغال )

وللنصيحة حسب تعلقها بالمنصوح له خمسة مراتب، وهي :

  • النصيحة لله .

وقد عرف الإمام النووي رحمه الله تعالى النصيحة لله تعالى تعريفا جامعا ومانعا فقال “أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته والحب فيه والبغض فيه وموالاة من أطاعه ومعادة من عصاه وجهاد من كفر به والاعتراف بنعمته وشكره عليها والإخلاص في جميع الأمور والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها” [1] .

وهي أعلى مراتب النصيحة وأوجبها على المكلفين ، وذلك لتعلقها بحق الله تعالى على عباده ، وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وهي في الحقيقة راجعة إلى العبد وليس إلى الله تعالى ، فالله تعالى هو الغني ، والخلائق جميعا مفتقرة إليه ، قال تعالى: { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [2] ، وعن أبى ثمامة قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم : من الناصح لله تعالى؟ قال: “الذى يبدأ بحق الله قبل حق الناس، فإذا عرض له أمران، أمر دنيا وآخرة، بدأ بعمل الآخرة، فإذا فرغ من أمر الآخرة تفرغ لأمر الدنيا” [3] .

  • النصيحة لكتاب الله .

والنصيحة لكتاب الله هي: ” الإيمان بأن كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق ، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق ، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها ، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين ، والتصديق بما فيه ، والوقوف مع أحكامه ، وتفهم علومه وأمثاله ، والاعتبار بمواعظه ، والتفكر في عجائبه ، والعمل بمحكمه ، والتسليم لمتشابهه ، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه …” [4] .

ونصيحة العبد لكتاب الله تعالى راجعة إليه أيضا ، فهو الذي يهتدى به من الضلالة ، ويبصر به من العمى ، قال تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [5] ، وقال تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [6] .

  • النصيحة لرسول الله .

والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي: “تصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به ، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وإجابة دعوته ونشر سنته، ونفي التهمة عنها واستئثار علومها و التفقه في معانيها، والدعاء إليها والتلطف في تعليمها وإعظامها، وإجلالها والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته، وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك” [7] .

وهذه النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم تأدية لحقوقه الواجبة على كل مسلم ومسلمة ، ونصرة ومحبة وولاء له ، قال تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } [8] ، كما أنها طاعة له وتسليم لحكمه ورضى به ، قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[9] .

  • النصيحة لأئمة المسلمين .

“والنصيحة لأئمة المسلمين: معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك”  [10] .

وجميع ما ذكره معدودة من حقوق الراعي على الرعية التي أمر الله ورسوله بتأديتها ، ولا يستقيم أمور المسلمين وتحفظ مصالحهم وتقوى جماعتهم إلا بها ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[11] ، وقال صلى الله عليه وسلم: “وأنا آمركم بخمس: آمركم بالسمع والطاعة ، والجماعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله … “[12] ، وهذه الأمور الخمسة هي مقومات الدولة الإسلامية ، و هي راجعة إلى النصيحة لإمام المسلمين .

ومن النصيحة لأئمة المسلمين طاعة العلماء وسؤالهم عن أحكام الشريعة ، والاقتداء بهم ومحبتهم وموالاتهم ، لدخولهم في جملة ولاة أمور المسلمين ، قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا } [13]، وقال تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [14] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( وإن العلماء ورثة الأنبياء )) [15] .

وجميع حقوق ولاة أمور المسلمين من الأمراء والعلماء مقيدة بالشرع ، فلا طاعة لأحد منهم إلا في المعروف ، أي فيما أوجبه الله ورسوله ، أو فيما يحقق للمسلمين المصلحة ويجنبهم المفسدة من سياسات الولاة ومذاهب العلماء ، فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، وأمّر عليهم رجلا فأوقد نارا وقال: ادخلوها، فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: ” لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة”  ، وقال للآخرين: “لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف” )) [16] ، وهذا في حق الأمراء والحكام .

وأما العلماء فقد ورد في حقهم قوله صلى الله عليه وسلم:  “إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا” [17] .

  • النصيحة لعامة المسلمين .

النصيحة لعامة المسلمين هي ” إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم، ومجانبة الغش، والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه ” [18] .

و النصيحة لعامة المسلمين من خصائص المجتمع الإسلامي ، فكل أفراده على اختلاف منازلهم وطبقاتهم ناصح ومنصوح ، فعلى كل مسلم أن ينصح لأخيه المسلم ، ويقبلها منه ، قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }[19] ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم ست” قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: “إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسشمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه” [20] .

ويدخل في النصيحة لعامة المسلمين في مفهومها الشامل التربية والتعليم والدعوة والإرشاد والتوعية والإعلام ، وكل ما يحقق مصالح المسلمين الدينية والدنيوية .

فعلى ولاة الأمر النصيحة لرعاياهم وبذل الوسع في تحقيق مصالحهم ، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( “ما من عبد استرعاه الله رعية ، فلم يحطها بنصيحة ، إلا لم يجد رائحة الجنة” )) [21] .

وعلى العلماء النصيحة للعامة وتعليمهم ما جهلوا من أمور دينهم وتربيتهم وتوجيههم ، قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[22] .

وعلى الآباء والأمهات النصيحة لأهليهم وما ولوا ، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [23] .

[1] شرح صحيح مسلم ، تأليف أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، 2 / 38 ، الناشر دار إحياء التراث العربي –بيروت 1392 هـ

[2] سورة الحجرات ، الآيتان 16 ، 17

[3] المصدر نفسه ، 1 / 128

[4] شرح صحيح مسلم ، للنووي ، 2 / 38

[5] سورة البقرة ، الآية 2

[6] سورة الشورى ، الآية 52

[7] شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية ، تأليف تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد ، ص 50 ، الناشر مؤسسة الريان 1424 هـ

[8] سورة الفتح ، الآيتان  8 ، 9

[9] سورة النساء ، الآية 65

[10] جامع العلوم والحكم ، تأليف زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ، 1 / 218 ، الناشر مؤسسة الرسالة –بيروت 1422 هـ

[11] سورة النساء ، الآية 59

[12] مسند الإمام أحمد ، ( 37 / 543 ) ، الناشر مؤسسة الرسالة -1421 هـ وقال محققوه الشيخ شعيب الأرناؤوط وآخرون إسناده صحيح .

[13] سورة النساء ، الآية 83

[14] سورة النحل ، الآية 43

[15] رواه أبو داود والترمذي .

[16] صحيح البخاري ، برقم ( 7257 ) ، وصحيح مسلم برقم ( 1840 )

[17] صحيح البخاري ، برقم ( 100 ) ، وصحيح مسلم برقم ( 2673 )

[18] جامع العلوم والحكم ، 1 / 218

[19] سورة التوبة ، الآية 71

[20] صحيح مسلم ، برقم ( 2162 )

[21] صحيح البخاري ، برقم ( 7150 )

[22] سورة آل عمران ، الآية 187

[23] سورة التحريم الآية 6

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى