مقالاتمقالات تربوية

الهدى القرآني وأثره في تربية الجيل

أ. محمد العوامي

{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} سورة الإسراء : (٩).

يمثل الهدى القرآني أساسًا حيويًا في تربية الجيل الإسلامي وتطوير شخصيتهم، فالقرآن هو كلام الله تعالى الذي يتضمن الحقائق والتوجيهات والمواعظ الإلهية التي توجه الإنسان إلى الطريق الصحيح والمستقيم.

وفي هذا السياق قال الله تعالى في سورة النور {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
وقال الله تعالى في سورة الإسراء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.

يشير القرآن الكريم إلى أهمية تربية الأجيال القادمة على الدين الإسلامي وتعليمهم الأخلاق الحميدة، فقد وجه الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم قائلا: {وَأَمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ}(طه 131).

ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم أهمية تعليم الأخلاق الحميدة للأجيال القادمة، حيث قال في حديثه “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ” (البخاري).

“وعلى هذا فأقصد بالتربية القرآنية ما يمتاز به القرآن الكريم من خصائص عالية موصلة لغايات سامية، إذ يأخذ بلبّ المرء فيجعله يرتقي من حال إلى أحسن وإلى أفضل بل وإلى أعلى وأسمى، في العمل والمعتقد ونحوهما، وكل هذا يدل عليه معنى التربية، إذ يقول الراغب الأصفهاني: “التربيةُ إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام” (¹) ، بمعنى أن الفرد يطور حالاته من مرحلة إلى أخرى حتى يصل إلى القمة مطبقا كل تعاليم القرآن الكريم الذي فيه سعادة المرء في دينه ودنياه، وكذا المجتمع إذا سار على الدرب نفسه.” (²)

“وإذا كانت التربية تحول وتطور إلى الأحسن، فالقرآن هو الذي أحدث هذا التحول للبشرية بعد نزوله، وطبّقته الأمة المصاحبة لمن نزل عليه هذا القرآن النبي الرؤوف المربي – صلى الله عليه وسلم – فبعد أن كانوا في صراع ونزاع وتخبط في شتى نواحي الحياة، أصبحوا إخوة متحابين متآلفين، {لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} الأنفال الآية (63) وذلك بتوفيقه ثم بتطبيق تعاليم التربية القرآنية، فبها ترقّوا في مراحل التربية حتى وصلوا إلى الذروة والكمال، فرضي الله عنهم ورضوا عنه”(³)

ومن الآيات القرآنية التي تدل على أهمية الهدى القرآني في تربية الجيل، قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف:204)، وقوله تعالى: {وَتَلَكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (العنكبوت:43).

ويشير العلماء إلى أن الهدى القرآني يمثل أساسًا تربية الجيل، فالقرآن الكريم يحتوي على نهج ومنهج تربوي شامل يشمل الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية والعملية، ويحث المؤمنين على تطبيق هذه القيم والمبادئ في حياتهم اليومية.

ويقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: “إن تعليم القرآن الكريم وفهم معانيه وتطبيقه في الحياة العملية، يشكل الأساس الصحيح لتربية الأجيال القادمة، فإنه يوفر للإنسان الرؤية الصحيحة للحياة، ويعلمه القيم والمبادئ الصحيحة التي تساعده على اتخاذ القرارات الصحيحة في حياته اليومية” (مقال للشيخ محمد بن صالح العثيمين عن تأثير القرآن في تربية الأجيال).

“ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة؛ التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص، لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل: تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد(⁴) ففي آيات القرآن الكريم توجيه أصحاب العقول للاعتبار فقال تعالى {…فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} سورة الحشر الآية رقم (٢).

إن تعليم الأخلاق الحميدة وتربية الجيل على أساس الهدى القرآني يسهم في تطوير المجتمع وتحسين الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ويعزز الوحدة والتآخي بين أفراد المجتمع.

والأمثلة على تأثير الهدى القرآني في تربية الجيل كثيرة صعب حصرها وذكرها في مقال وموجودة في بطون الكتب قديما وحديثا، بدءا من عصر رسولنا صاحب الخلق العظيم، صلى الله عليه وسلم، إلى الصحابة الكرام، رضوان الله عليهم، الذين غيّرهم القرآن، والسلف الصالح إلى عصرنا الحاضر الذي فيه كثير من القصص من تأثير القرآن على المسلمين وغير المسلمين.
إن الذين نشؤوا وتربوا على أساس القرآن الكريم وتميزوا بالأخلاق الحميدة والإيمان الصادق، من الصحابة الكرام والعلماء والمفكرين والزعماء وتميزوا بالأخلاق المؤثرة.

وفي النهاية، يمكن القول إن الهدى القرآني يعد أساسًا لتربية الجيل، حيث يحتوي القرآن على منهج تربوي شامل للجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية والعلمية والعملية، ويشجع على تطبيق هذه القيم والمبادئ، حيث يعتمد الإسلام في تربية الأجيال على الأخلاق الحميدة والمثل السامية، ويدعو إلى العدل والمساواة والتسامح والتعاون والتضامن.
——————–
¹ المفردات للراغب الأصفهاني ١/١٨٤.
² – ³ التربية القرآنية وأثرها على الفرد والمجتمع.
⁴ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٢ /٣٦٤-٣٦٥.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى