الكلمة الأسبوعية

الوعي طريق النهضة والنهضة باب النصر

الدكتور/ سالم بوحنك

تستطيع أن تدرك مدى قوة أي أمة من الأمم بمدى وحدتها وتلاحمها ضد أي عدوان قد يمس أي جزء منها، وهذه الوحدة لا بد أن تقوم على فكرة تؤمن بها وتنطلق منها، وبعد ذلك يأتي عامل القوة المادية، إذًا الإيمان أساس الوحدة، والوحدة منطلق تكوين القوة، وبهذه العناصر الثلاثة تقوم الأمم والحضارات، وتعيش ما دامت موجودة بها، حية في نفوس أبنائها يقومون على رعايتها وينشئون أبناءهم عليها، وكلما ضعفت في نفوسهم يبدأ منحنى السقوط والتحلل في جسد الأمة حتى تنهار بالكلية أو تصبح في ذيل الأمم، وهي سنة الله في الخلق  “سُنَّةَ اَ۬للَّهِ اِ۬لتِے قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اِ۬للَّهِ تَبْدِيلاٗۖ”.

هناك مسألة أخرى من الضروري إثباتها في معرض بيان السنن الكونية التي وضعها الله معالم على الطريق في سبيل النهوض والسؤدد، وهي المتمثلة في قوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ اُ۬لْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصْلَيٰهَا مَذْمُوماٗ مَّدْحُوراٗۖ ۝١٨ وَمَنْ أَرَادَ اَ۬لْأٓخِرَةَ وَسَعَيٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهْوَ مُؤْمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراٗۖ ۝١٩ كُلّاٗ نُّمِدُّ هَٰؤُلَآءِ وَهَٰؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَۖ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراًۖ}، فالفكرة التي مبدؤها ومنتهاها الدنيا يمدها الله بمدد الحياة، وييسر لها أسباب التمكين والتفوق، أما إذا كانت الفكرة غايتها الدار الآخرة والحياة تبعا لها، فلا يتحقق موعود الله إلا إذا التزمت الأمة بمنهج الله الذي لا يقبل سواه، والخلط بين الأمرين لا يحقق نتيجة، وهذا مصداق قول أمير المؤمنين عمر الفاروق “نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله”. ويظهر ذلك واضحا وجليا في الشروط التي وضعها المولى سبحانه للتمكين حيث يقول: {وَعَدَ اَ۬للَّهُ اُ۬لذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِے اِ۬لْأَرْضِ كَمَا اَ۪سْتَخْلَفَ اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اُ۬لذِے اِ۪رْتَضَيٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناٗۖ يَعْبُدُونَنِے لَا يُشْرِكُونَ بِے شَئْاٗۖ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْفَٰسِقُونَۖ”، وقوله جلّ في علاه: “اِ۬لذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِے اِ۬لْأَرْضِ أَقَامُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ اُ۬لزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِۖ وَلِلهِ عَٰقِبَةُ اُ۬لْأُمُورِۖ”}، وهذه شروط واضحة، فلا بد أن يتم البناء على منهج الله، ونور من تشريعه، وحسب ما يرتضيه.

التغيير يبدأ من أنفسنا ولا يغير الله ما بنا إلا إذا تغيرت نفوسنا إلى ما يحب الله ويرضى، وهذه قاعدة أخرى وسنة الله في تغيير الحال إلى أحسن حال، وهو واضح في قوله تعالى: “إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّيٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْۖ”، ولذلك لا ننتظر تغييرا في واقع حالنا ونحن لم نغيّر من أنفسنا، ولعلك تجد الكثير من الناس ينتقدون الأوضاع وكثير من سلوك عموم الناس، ونسوا أنفسهم أنهم مشاركون في الأمر إمّا بسلوكهم المسلك نفسه أو السكوت عنه وعدم النصح للقائمين به. {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اَ۬للَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراٗ نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّيٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}، وكذلك لا بد من الأخذ بأسباب القوة فلا يجدي نفعا أن نطلب النصر والتمكين وليس لدينا من أسباب القوة المادية والتقنية والنفسية شيء يمكن أن يساعد في تحقيق هذا التمكين، متخذين قوله تعالى شعارا لنا في هذا الباب: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اَ۪سْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}، ولابد أن نوقن بأن الله لم يكلفنا فوق طاقتنا ولذلك حددها بالاستطاعة، وأكدها بقوله تعالى: “لَا يُكَلِّفُ اُ۬للَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَاۖ”، وقوله تعالى: “لَا يُكَلِّفُ اُ۬للَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا ءَاتَيٰهَاۖ”، ولذلك انتصر المسلمون في كثير من المواقع على قلة عددهم وعتادهم ولكنهم كانوا قد بذلوا الوسع في استعدادهم.

الوعي بالواقع الذي نعيشه وطبيعة الأمم التي نتعامل معها وسبر أغوار المشاريع التي تعمل على أرض الواقع، وهي مشاريع منافسة للمشروع الحضاري الإسلامي، وفي هذا يرشدنا ربنا سبحانه وتعالى إلى طبيعة الأمم التي واجهت الدعوة في بداية تكوينها، فحدثنا عن المشركين وعن أهل الكتاب والمجوس وما يريدونه من المسلمين، فيبين لنا مرة طبيعة العداوة فيقول سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ اَ۬لنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْ اُ۬لْيَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلذِينَ ءَامَنُواْ اُ۬لذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَٰرَيٰۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناٗ وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَۖ}، ومرة أخرى يبين لنا طبيعة نظرتهم لديننا، ومدى رغبتهم في التخلي عنه، فيقول: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ}، وقوله تعالى: {إِنْ يَّثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءٗ وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوٓءِۖ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَۖ}، وهناك أمثلة كثيرة لعرض حالات كثيرة سواء من الأمم والشعوب، أو حتى من الذين يعيشون بيننا من المنافقين وضعاف النفوس، بل ويبين لنا نفوس بعض المؤمنين، ويبين لهم خطأهم، ويصحح نفوسهم ويخلص نياتهم، فهو سبحانه يبين حالات النفاق وصوره، ويبين حالات الضعف البشري الذي يمكن أن يصيب المؤمنين، وهذا كله ليبيّن لنا المنهج السليم في البناء والاستعداد على أساس سليم من التصور الإسلامي النقي.

إدراك هذه السنن وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره، والوعي بها من أبناء الأمة، أو على الأقل من قادة الرأي والفكر بها، عامل مهم في بناء الوعي السليم، ولا بد من تأكيد أن هذه السنن لا تحابي أحدا، ولا بد من معالجة هذه السنن بسنن مثلها حتى يتحقق المراد والنهضة الشاملة، وهذا يقتضي ضرورة الدعوة إلى الفهم السليم للإسلام على أساس من الإيمان والالتزام بدينه، وبذل النصح للمؤمنين، ألم تسمعوا لقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ اَ۬لْإِنسَٰنَ لَفِے خُسْرٍ ۝١ إِلَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ ۝٢ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِۖ}، ونصيحة لقمان لابنه: “يَٰبُنَيِّ أَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ اِ۬لْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَيٰ مَا أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ اِ۬لْأُمُورِۖ”.

إن ما يحدث اليوم في الحرب على غزة التي اجتمعت عليها دول كبرى، ليبين لنا بما لا يدع مجالا للشك بأننا لن تقوم لنا قائمة إلا إذا:

1)    رجعنا إلى الله تعالى وحكمنا دينه في حياتنا صغيرها وكبيرها، والتزمنا بأحكامه ودعونا إليها كل من هو بيننا أو يحيط بنا.

2)    نعتمد بعد الله على أنفسنا ولا ننتظر من الأعداء أن يقوموا بالعمل نيابة عنا.

3)    نعيد بناء الثقة في منهجنا وأنفسنا وأبناء أمتنا، ولا نسمع للعدو الذي يسعى للتشكيك في قوتنا وأخوتنا وإمكاناتنا.

4) الأخذ بما يتيسر لنا من أسباب القوة بأشكالها المختلفة؛ المادية بجميع أشكالها والمعنوية أيضا.

5) بناء الأجيال القادمة على أساس من حب الله ورسوله والمؤمنين، وزرع الثقة في نفوسهم، وإعدادهم الإعداد الجيد لهذا الدور وتلكم المهمة.

وبعد ذلك وقبله هناك الأمل الكبير في تحقيق التغيير والتمكين والنصر على نفوسنا الضعيفة، ومن ثم على كل من يقف في طريق نهضتنا وتبليغ دعوة ربنا للعالمين، ولنتذكر كلمة ربعي بن عامر (لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)، وتلك مهمتنا وهي إنقاذ البشرية من ظلمات الهوى إلى نور الإسلام.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَۖ}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى