الكلمة الأسبوعية

بداية الإصلاح

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما يقف الإمام في الصلاة، وقبل تكبيرة الإحرام ينبه المصلين بقوله: “استووا…”، وخلال دقيقة يكون الجميع في صفوف منتظمة، مهما بلغ عددهم وتعددت لغاتهم وأعمارهم وأجناسهم، ذلك يتم لأنه ببساطة ينظر كل واحد منهم إلى موقع قدمه ويحاذيه بقدم جاره الذي بجانبه، وقد ينبه جاره على تقدمه أو تأخره عن الصف.
ماذا لو انتهجنا هذا النهج في حياتنا؟ فأصلح كل منا شأنه وأدى واجبه، بل وساعد من حوله من أخ أو جار أو صديق على أداء عمله كما ينبغي !!! إذًا لانصلح حالنا وتغيرت أحوالنا وتحققت أمانينا، وحققنا سنة الله في التغيير في قوله تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
ما الذي يحدث في واقعنا؟ هل نحن في معظمنا نقوم بواجبنا كما ينبغي؟ أم أننا منشغلون عن أعمالنا وإصلاح شأننا بمراقبة الآخرين ونقدهم، وبيان أخطائهم، بل والعمل على تكبيرها ونشرها في العالمين!!!!!!
إنك إذا جلست إلى أي شخص تعرفه أو لا تعرفه وتحدثت عن الواقع؛ فإنه سيحدثك بما يحدث في واقع الناس من إهمال وتقصير وأخطاء بل وسيزيدك عن السرقات والنهب في المال العام، ويظهر أسفه على ما يحدث وربما أكد لك في نهاية الكلام أن الإصلاح أمر صعب إن لم يكن مستحيلا.
وهنا يأتي السؤال المهم، هل أدى كل منا عمله وأتقنه؟ أم أنه يسير مع الناس في تغيبه عن عمله وتقصيره في أداء مهمته متعذرا بعدد لا نهاية له من الأعذار!! لا شك أن كل واحد منا عليه مهمتان رئيسيتان: إصلاح نفسه حتى يكون مثلا يحتذى، ويدعو غيره إلى إصلاح نفسه حتى يكتمل البناء، وفي كلا الأمرين هو واجب سيسأل عنه يوم القيامة، ولن ينفعه أن يجيب بأن الناس كانوا هكذا، وأنا اضطررت إلى مسايرتهم، فقد نبهنا الحبيب المصطفى  “لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا” رواه الترمذي
هناك أمر آخر من الضروري التنبيه عليه، وهو أن التغيير صعب سواء على مستوى الفرد نفسه أو في محيطه ولذلك لابد من الصبر والمصابرة والمناصحة والمرابطة، ولنجعل شعارنا قول الله جل في علاه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱصۡبِرُوا۟ وَصَابِرُوا۟ وَرَابِطُوا۟ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾]آل عمران ٢٠٠[ ، وقوله تعالى: (إِنۡ أُرِیدُ إِلَّا ٱلۡإِصۡلَـٰحَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُۚ وَمَا تَوۡفِیقِیۤ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَیۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَیۡهِ أُنِیبُ﴾ ]هود ٨٨[
[8:41 م, 23‏/8‏/2022] خالد المغربي: الإمعية الإلكترونية
****

من أكبر المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا العربية، هو هذه الانتكاسة المتمثلة في غياب “الموازين”!

اسأل رجل الشارع أو السياسي أو المنشغلين بالشريعة والثقافة، بل سَلْ نفسك:
من أين تستقي معلوماتك عن الأحداث مِن حولك؟ من أين تستمد أحكامك على الأفكار والأقوال والأفعال؟ كيف تبني مواقفك من الهيئات والرجال؟
ما هو الميزان الذي تزن به الحقائق، والعين التي ترى بها الأشياء والمسطرة التي تقيس بها المسافات بين الخطأ والصواب، والصدق والكذب، والنافع والضار؟
قد تجد جوابا عاما، لكن لا ترى له أثرا حقيقا في أحكام الفرد.

لقد ذمَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم شريحةً من المجتمع، عطّلت عقلَها وسلّمت قِيادَها للموازين “الشعبوية”، وسمى الرسولُ هذه الشريحة “إمعات”!!
والإمعة الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم هو “الإمعة المُجتمعي” الذي لا ميزان له ولا بوصلة ولا “طارقة”، بل هو مع التجمّعات القَبَلية أوالحزبية، أو الفكرية؛ يُحسِن إن أحسنَ الناسُ، ويسيءُ إن أساءَ الناسُ!

يوجد في فراغنا نماذج كثيرة من الإمعيات!
فهناك الإمعية المذهبية والإمعية الحزبية والإمعية الطائفية والإمعية المشيخية، و…
لكننا اليوم أمام ظاهرةٍ أشدُ خطرًا وأخفى ضررا، ألا وهي “الإمعية الإلكترونية” المتمثلة في ابتلاع واتباع ما تُلقيه إلينا وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، عبر برامجها الفارغة المُدججة بالمال، والتي تخلو عادة من سياسة إعلامية راشدة ومعايير إدارية صارمة، بل تُدار وفق أمزجة وأهواء المدير، الذي يقتصر دوره الأكبر في تنفيذ سياسة ولي النعمة والممول الخفي …

في عصور حضارة الإسلام، كان القرآن الكريم والعقل السليم والعرف القويم، الميزان الأعلى الذي توزن به الأقوال والأعمال والمواقف والرجال، ويُميّز به الخطأ من الصواب، والصادق من الكذّاب!
فما هو ميزاننا اليوم؟

اليوم يمكن للكذب أن يكونَ صدقًا، وللخائن أن يكونَ أمينًا، وللمخبول أن يكون شيخاً، وللص أن يكونَ وزيرا، وللسفّاح أن يكونَ بطلاً، وللجاهل أن يكونَ مرشدًا.
كل ما تحتاج إليه هذه الأصناف لقلب موازين الناس؛ هو سياسة إعلامية تشرف عليها قنوات محلية وعربية، وصفحات مدعومة تقف خلفها أقلام مأجورة.

لقد راجت هذه البضائع الفاسدة الكاسدة، نظرا لغياب “الميزان” فصادفت قلوبًا تتجاذبها الأهواء وعقولا سكنتها الأدواء!

والحل:

هو أن يبدأ قارئ التدوينة بخاصة نفسه أولاً، ويعيد وزنَ الأشياء من حوله بالموازين التي شرّفه اللهُ تعالى بها.

فوالله لا يكاد ينجو من هذه الإمعية المعاصرة أحد!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى