قضايامقالاتمقالات الرأي

ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا.. بين القانون ووضع اليد!

 

 

فرج كُندي 

رئيس مركز الكُندي للدراسات والبحوث

 

أعلنت دولة مصر قرارًا رئاسيًا في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر يحدد من طرف واحد حدودها البحرية الغربية والمشتركة مع ليبيا ينص على إعادة تعيين حدودها البحرية مع ليبيا من طرف واحد، في قرار قوبل بانتقادات ليبية حادة من حكومتي البلد المتشظي والمنقسم على نفسه بين حكومة الوحدة الوطنية في الغرب التي يعترف بها العالم وحكومة في الشرق شكلها ويعترف بها البرلمان المنعقد في طبرق والمعترف به دوليا!!!.

كان الاعتراض من حكومة الوحدة الوطنية متمثلا في بيان من وزارة الخارجية التابعة لها وكذلك البرلمان في صور بيانات باهتة وعلى استحياء – ذرا للرماد في العيون- لامتصاص ردة الفعل الشعبية المتوقعة وإن كانت لم تحدث بالصورة المطلوبة أو المتوقعة. وكذلك لم تصدر أي ردة فعل من التشكيلات العسكرية التي لها وجود مؤثر على الأرض في المشهد الليبي وإن كان بعضها يدين بالولاء المطلق لمصر ويصرح بأن (أي تصرف من مصر وإن كان ضد مصالح ليبيا فهم معه ويؤيدنه) وهذا الصمت إقرار قبول للقرار المصري دون مناقشة وتسليم مطلق لهذا القرار.

 

هذا القرار الذي  نشرته الجريدة الرسمية  باسم الرئيس المصري -عبد الفتاح السيسي- والذي حمل رقم 595 لسنة 2022 – بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.

وتضمن القرار الأحادي دون مشاورة مع الجانب الليبي بشقيه الموالي لحكومة مصر والمناوئ لها في مادته الأولى أن تبدأ الحدود البحرية الإقليمية لمصر من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية، كما نص على إخطار الأمم المتحدة بالتعديل التي لم تصدر بيانا بقبول هذا القرار أو رفضه وفي الوقت نفسه لم تقم الأطراف الليبية بحكومتيها بتقديم اعتراض رسمي للأمم المتحدة على قرار السيسي، الذي قرر من جانبه تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر، حيث تنص المادة الأولى من القرار، الذي حمل الرقم 595 لسنة 2022، على أن حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية تبدأ من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية رقم 1 ولمسافة 12 ميلا بحريا وصولًا إلى النقطة رقم 8، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم 8 في اتجاه الشمال موازيًا لخط الزوال 25 بالشرق وصولًا إلى النقطة رقم 9، والموضح إحداثياتها بالجدول المرفق وفقًا للمرجع الجيوديسي. WGS84

وأشارت المادة الثانية إلى أن إعلان قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى وفقًا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، ونصت على أن يخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة الذي لم تحرك ساكنا؛ كما لم تحرك ساكنا الجهات الليبية المنهمكة في الصراع على السلطة والنفوذ والمال ولو على حساب أجزاء من التراب الليبي ومن السيادة الوطنية المنتهكة.

تحركات سياسية ليبية مرتقبة

من جانبها، اعتبرت وزارة خارجية حكومة طرابلس (حكومة الوحدة الوطنية – المعترف بها دوليا) ما قامت به مصر “إخلالاً بمبادئ حسن النية، ومخالفة لما تدعيه مصر باحترام السيادة الليبية ووحدة أراضيها، وانتهاكا للمياه الإقليمية والجرف القاري لليبيا، وترسيما غير عادل بموجب القانون الدولي، لإعلانه من جانب واحد”. وأضافت الخارجية الليبية في بيانها أن “ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا ومصر يجب أن يتم عبر مفاوضات تضمن مصالح الطرفين ومبدأ المساواة بين دولتين جارتين”.

كما نبهت الوزارة إلى إمكانية إحالة هذا النزاع على الوسائل السلمية للتسوية، بموجب المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك محكمة العدل الدولية، على أن يتم الاتفاق على ذلك أثناء المفاوضات التي دعت إليها وهذا ما لم يحدث ولن يحدث لأن الرئيس المصري (السيسي) أصدر قراره ونشره في جريدته الرسمية كأمر حاصل دون اعتبار للطرف الليبي بشقية، ولو بشكل مفاوضات صورية؛ بل اعتبر الحدود الليبية مثل الأرض المُشاع التي لا صاحب ولا مالك لها، ومن حقه أن يضع يده عليها لإعمارها أو إحيائها لأنه يعتبر صاحبها والعدم سواء.

 

وكان رد الفعل الباهت من  حلفاء النظام المصري داخل ليبيا، أنهم أصدروا من خلال لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الذي يرأسه عقيلة صالح في 22 ديسمبر بيانًا أعلنوا فيه رفضهم لقرار السيسي وحثّهم النظام المصري على ضرورة التراجع عنه باعتباره قرارًا غير عادل وفق القانون الدولي، وينتهك السيادة الليبية ويتعدى على حدود البلاد البحرية دون التقدم بأي إجراء فعلي حيال هذا القرار ولو بتقديم اعتراضهم لهيئة الأمم المتحدة أو مطالبتها برفض قبول قرار السيسي، الذي أحاله للأمم المتحدة؟ لسبب بسيط وهو أنهم يحاولون إرضاء الشارع الليبي الذي أدان قرار الرئيس المصري الذي اعتدى على حرمة أراضيه.

يقول خبراء وفنيون متخصصون من الناحية التقنيّة إن قرار” السيسي” يتعارض عمليا مع اتفاقية قانون البحار التي تعتبر مصر عضوًا فيها، ذلك أنّه تمّ بشكل أحادي وبتجاهل تام للجانب الليبي، علاوةً على غياب حسن النيّة عند التطبيق. وعلى افتراض أنّ حدود مصر الحقيقيّة هي ما تمّ الإعلان عنه في مرسوم السيسي، فقد كان ذلك يفترض على الأقل دعوة الجانب الليبي إلى التفاوض بهذا الشأن انطلاقًا من حقيقة أنّ الإعلان المصري أنشأ نزاعًا لم يكن موجودًا من قبل، حيث تعتبر المساحة البحرية التي تمّ التعدّي عليها مساحة تابعة لليبيا، إذ لم يسبق للقاهرة أن أثارت موضوع وجود خلاف مع ليبيا أو وجود تنازع أو وجود مساحة مائية تابعة لها قام الجانب الليبي باغتصابها.

من ناحية المضمون، فضلاً عن إنشائه نزاعًا مستجدًا مع دولة ليبيا التي سوف تستفيق من كبوتها وتطالب بإعادة حقوقها التي اقتضم مرسوم السيسي الأحادي جزءًا من الحيّز المائي الليبي بوضع اليد، والذي تُقدر مساحته بنحو 6 آلاف و800 كلم2، وهو ما يعادل حوالي ثلثي مساحة دول مثل لبنان.

وهذا المرسوم (السيساوي) بأصله المتفرد وبشكله المجرّد اعتبرته وسائل الإعلام المصرية المؤيدة لنظام السيسي وبطبيعة الحال مؤيدة ومباركة للقرار باعتباره “إجراءً وقائيًا” وأنّ الخطوة هي خطوة وقائية في ظل حالة عدم الاستقرار في ليبيا.

بمعنى آخر، الجانب المصري قرر وضع يده بقضم مساحة بحرية ليبية بسبب حالة عدم الاستقرار في ليبيا وعدم قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها في وجه أطماع أو تعدّيات الآخرين. وتأكيدا لهذا السلوك، برّر عدد من المصريين الطريقة الأحادية لهذا القرار بأنّها تأتي في سياق “الاستعجال لاستثمار الثروات شرق البحر المتوسط” لا سيما في المنطقة المحاذية للحدود مع اليونان وليبيا، وهو ما يبدو متناغمًا مع التعدّيات اليونانية على المياه الليبية، ممّا يعكس تفاهمًا على أن تكون ليبيا ضحيّة لتجاوزات الطرفين دون أن تأخذ حكومات الأمر الواقع في ليبيا أي إجراء فعلي يحول دون الاعتداء على أراضيها ومياهها الإقليمية؛ بل كانت سببا مباشرا وأحيانا مؤيدة للدول التي تضع يدها على أراضيها وتغتصب ثرواتها وتنتهك سيادتها!

وأن ما يعرفه القاصي والداني أن هذ الأمر هو مسالة وقت ولن تطول، وسوف تعود الحياة تلتحم الأجزاء الممزقة من ليبيا وستلد ليبيا رجالا من أحفاد عمر المختار الذين جاؤوا بالاستقلال عام ١٩٥١ ليعيدوا لليبيا هيبتها ومكانتها وكل مقدراتها التي نهبت وسيادتها التي انتهكت وحدوها التي قضمت منها بعز عزيز أو بذل ذليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى