عامقضايامقالاتمقالات الرأي

تطورات ميدانية في الشمال السوري

تطورات ميدانية في الشمال السوري: السيطرة على حلب خلال 48 ساعة

في تطور ميداني لافت بعد خمسة أعوام من الجمود، شهد الشمال السوري حدثًا عسكريًا كبيرًا غير مسبوق، حيث توحدت قوات هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري في غرفة عمليات مشتركة تحت اسم “ردع العدوان”. وإن هذا التعاون الاستثنائي أطلق شرارة معركة كبرى بدأت فجر الأربعاء 27 نوفمبر 2024 والموافق لـــ 15 جمادى الأولى 1446هـ، ومستهدفة الريف الغربي لمدينة حلب، ومدينة حلب، وجنوب إدلب.

وخلال أقل من يومين فقط، تمكن أبناء الثورة السورية من فرض سيطرتهم الكاملة على مساحات شاسعة شملت ريفي حلب الغربي وإدلب الشرقي، وصولاً إلى قلب مدينة حلب، ورفع علم الثورة السورية فوق قلعتها، والسيطرة على معظم أحياء المدينة. وقد أسفرت هذه العملية العسكرية عن إحكام السيطرة على مواقع استراتيجية حيوية، ومن بينها الكليات العسكرية، وفروع المخابرات، ومركز قيادة الشرطة، إضافة إلى مركز محافظة حلب، وحلب القديمة. وأظهرت القوات الثورية “ردع العدوان” قوتها في عرض عسكري انطلق من دوار الموت في مدخل حلب الجنوبي، وانتهى في ساحة سعد الله الجابري وسط المدينة.

وهذا التقدم السريع والمباغت خلق صدمة واسعة النطاق على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل المشهد الميداني والسياسي في الشمال السوري وسورية برمتها.

أولاً: قوات العمليات المشتركة: توحيد الصفوف في غرفة عمليات “ردع العدوان

في خطوة استراتيجية حاسمة، فقد أعلنت فصائل الثورة السورية عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة تحت اسم إدارة العمليات العسكرية“، مع انطلاق المعركة الكبرى في الشمال السوري. وجمعت الغرفة تحت لوائها طيفًا واسعًا من القوى الثورية المسلحة، وفي مقدمتها قوات هيئة تحرير الشام، ومعها عدد من أبرز فصائل الجيش الوطني السوري الحر، مثل:

الجبهة الشامية
حركة نور الدين زنكي
الجبهة الوطنية للتحرير
صقور الشام
أحرار الشام
لواء أنصار التوحيد
فصيل القوة المشتركة (سليمان شاه وفرقة الحمزة).
حركة التحرير والبناء “الشرقيات”.

وعدد من التشكيلات العسكرية من أبناء العشائر والكتائب الثورية الأخرى، وأبناء مدينة حلب. ويشرف على غرفة العمليات مجموعة كبيرة من الضباط والخبراء العسكريين السوريين.

وهذه الخطوة جاءت بعد سلسلة من الاجتماعات المكثفة في الفترة السابقة، ولتثمر عن وحدة الصف، وتوحيد الجهود تحت قيادة موحدة لغرفة عمليات “إدارة العمليات العسكرية.

ثانياً: معركة كسر الجمود: دوافع وأهداف العملية العسكرية في الشمال السوري

أكد الناطق الرسمي باسم غرفة العمليات المشتركة أن الهجوم الجاري في الشمال السوري يأتي ردًا على التصعيد العسكري المكثف من قبل قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، التي لم تكتف بالقصف المدفعي والصاروخي على محافظة إدلب بل استهدفتها أيضًا بـ784 طائرة مسيّرة انتحارية خلال العام الجاري وحده، وفقًا لتقارير فريق “منسقو استجابة سورية”. وهذا التصعيد أسفر عن مقتل 34 مدنيًا، وإصابة 88 آخرين بينهم نساء وأطفال، مما جعل الهجوم خطوة ضرورية لكبح جماح النظام ووقف هذه الانتهاكات.

أهداف العملية العسكرية:

1. تغيير الواقع الميداني:

بعد سنوات من الجمود، تسعى الفصائل لتوسيع مناطق سيطرتها التي تقلصت إلى أقل من 20% من مساحة سورية بفعل التفاهمات التركية الروسية والتطبيع العربي مع النظام.

2. إعادة المهجّرين إلى ديارهم:

العملية تهدف لتأمين عودة نحو 4 ملايين مهجر داخليًا وأكثر من 6 ملايين لاجئ في تركيا، ممن طالتهم مأساة التشريد بفعل المعارك والقصف المستمر.

3. كسر عزلة القضية السورية:

تهدف العملية إلى إحياء الزخم الثوري بعد فترة طويلة من الركود في ظل التحولات الإقليمية والدولية.

ثالثاً: الموقف التركي والظرفية الدولية:

حظيت العملية بدعم سياسي من أنقرة، التي أكدت أن التصعيد جاء نتيجة انتهاكات النظام وميليشيات إيران لاتفاقات خفض التصعيد، وسط تراجع ملحوظ في التزامات روسيا. ولأن تركيا أدركت بأن موافقتها على العملية بعد الظروف التي ألمت بإيران وحزب الله أفضل من انفراد الفصائل السوري بقرار يضعها تحت الأمر الواقع نتيجة الرغبة في تغيير  الوضع الميداني لدى الأحرار .. وصرح متحدث باسم وزارة الخارجية التركية بأن الاشتباكات الأخيرة في شمال سورية أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوتر في المنطقة، ومشيرًا إلى أن الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة يمثل أولوية قصوى.
الموقف الروسي: الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا أدى إلى تقليص دعم النظام السوري، حيث تركّزت القوة الجوية الروسية في أوروبا، ما أضعف النفوذ الروسي في سورية مقارنة بعامي 2015-2016. وأعرب الكرملين عن رغبته في أن تستعيد الحكومة السورية النظام بسرعة في منطقة حلب عقب هجوم المعارضة، معتبرًا ذلك انتهاكًا لسيادة سورية .
الموقف الأمريكي: أظن أن واشنطن غضّت الطرف عن العملية كونها تستهدف الميليشيات الإيرانية وفلول حزب الله، مما يتماشى مع أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة.
تراجع قوة الميليشيات الإيرانية: نتيجة حرب إسرائيلية استهدفت حزب الله في لبنان، وضرب مواقع الميليشيات الإيرانية في سورية، وانسحابية روسيا من المشهد العسكري بشكل واضح، وخسارة جزء كبير من الحاضنة الشعبية الحلبية نتيجة انتهاكات وممارسات تلك العصابات، مما أدى إلى انهيار معنويات وقدرات الميليشيات في الشمال السوري.
ظرفية إقليمية مواتية وتغيرات سياسية: تأتي العملية في توقيت حساس دوليًا، مع استنزاف الروس في أوكرانيا، والتراجع الإيرانيإقليمياً، بالإضافة إلى التغير المرتقب في السياسة الأمريكية مع اقتراب مغادرة بايدن واستلام ترامب للسلطة في واشنطن، مما قد يحمل تحولات عميقة في الموقف الدولي تجاه القضية السورية.

وهذا المشهد الميداني يعكس ديناميكيات جديدة قد تعيد تشكيل الخريطة السياسية والميدانية في سورية، مع تعزيز دور الفصائل الثورية في المرحلة القادمة.  

رابعاً: المناطق والبلدات والمدن المحررة والأحياء الحلبية ضمن العملية:

1. في مدينة حلب:

قوات ردع العدوان تبسط السيطرة على 75% من مدينة حلب، وتعلن حظر التجوال لسلامة المدنيين ولتمشيط المدينة وبقية الأحياء، فهناك تجمعات للشبيحة وقوات سورية الديموقراطية في الشيخ مقصود، ومطار النيرب العسكري والسفيرة ومعامل الدفاع شرق حلب. والأحياء التي أعلن الثوار دخولها حتى اللحظة:

حي المحافظة
مبنى محافظة حلب وسط حلب
القصر البلدي وسط حلب
قلعة حلب
قيادة الشرطة في حلب
مبنى الجمارك في حي السريان
حي السريان
ساحة سعد الله الجابري
حي الجميلية
جامعة حلب
حي الفرقان
حي الشهباء
أفرغ المخابرات العسكرية والجوية وأمن الدولة والأمن السياسي
حي حلب الجديدة
منطقة البحوث العلمية
الأكاديمية العسكرية
حي الصحفيين
حي ضاحية الأسد
حي الراموسة الصناعي
حي دوار الباسل
حي مشروع 1070 شقة
حي مشروع 3000 شقة
حي الحمدانية
المستشفى العسكري في حي الموغامبو
مستشفى الشهباء التخصصي
ساحة سعد الله الجابري
المنصورة
شارع النيل
حي الإذاعة
دوار الليرمون
دوار الكرة الأرضية
دوار الموت
حي السبيل
حي الخالدية
حي تل الزرازير
حي باب النيرب
حي المرجة
حي بستان القصر
حي قاضي عسكر
حي الميسر
حي سليمان الحلبي
حي الكلاسة
حي الزبدية
الفردوس
حي الصالحين
حي السكري
حي الشعار
عدد من الأحياء التاريخية حول قلعة حلب
أنباء عن فرار قوات إيران من مطار حلب الدولي، والتجمع في منطقة السفيرة شرق حلب.
2. في ريف حلب الغربي والجنوبي:
الشيخ عقيل
قرية بالا
قرية قبتان
قرية حير دركل
قرية القاسمية
قرية كفربسين
قرية حور
جمعية المعري
قرية السلوم
قرية عنجارة
بلدة عاجل
قرية الهوتة
قرية أورم الصغرى  
الفوج 46
الشيخ علي
عويجل
تلة الضبعة
معمل الزعتري
جمعية الأمين
جمعية السعدية
جمعية الرضوان
أورم الكبرى
أرناز
كفر بسين
الزربه
خان العسل
ياقد العدس
ريف المهندسين الأول
ريف المهندسين الثاني
جمعية المناهل
جمعية أولي الألباب
صوامع خان طومان
كفر جوم
كفرناها
جوباس
داديخ
كفر بطيخ
بشقاتين
بابيص
تلة الراقم
عالم السحر والشؤون الإدارية
قرية بشقاتين
قرية بشنطرة
جمعية الرحال
بلدة بابيص
بلدة البرقوم
بلدة ميزناز
بلدة كفر حلب
قرية الأربيخ
الكسيبية
بسرطون
قرية معردبسة
قرية جوباس
منطقة البحوث العلمية
بلدة المنصورة غرب حلب
البوابية بريف حلب الجنوبي
خان طومان بريف حلب الجنوبي
بلدة زيتان بريف حلب الجنوبي
قرية خلصة بريف حلب الجنوبي
قرية برنة بريف حلب الجنوبي
سد شغيدلة بريف حلب الجنوبي والذي كانت تحتله عصابات الأسد منذ عام 2015
السابقية بريف حلب الجنوبي
الحاضر بريف حلب الجنوبي
تل حديا بريف حلب الجنوبي
العيس بريف حلب الغربي
كوسنيا ورسم الصهريج بريف حلب الجنوبي
تلة الصواريخ جنوب حلب
تلتي مؤتة وأحد بريف حلب الجنوبي
رسم العيس بريف حلب الجنوبي
الشيخ أحمد بريف حلب الجنوبي
عجاز بريف حلب الجنوبي
الشويحنة
3. في ريف إدلب الشرقي والجنوبي:
تل مرديخ بريف إدلب الشرقي
مدينة سراقب شرقي إدلب
الترنبة بريف إدلب الشرقي
خان السبل بريف إدلب الشرقي
قرية الطلحية بريف إدلب الشرقي
قرية تل كراتين بريف إدلب الشرقي
قرية إسلامين
تلة الشيخ منصور
قرية محاريم
قرية العاصرية
قرية محيرى
قرية آباد
بلدة لوف
الشيخ إدريس
الريان.

خامساً: الوضع الراهن والنتائج: انتصارات ميدانية وتداعيات المعركة

شهدت الساحة السورية تطورات ميدانية متسارعة، حيث تمكنت فصائل المعارضة من تحقيق تقدم ملحوظ في مناطق حلب وإدلب، مما أدى إلى:

انهيار معنويات قوات النظام والميليشيات الإيرانية: أدى التقدم السريع للمعارضة إلى تراجع كبير في معنويات القوات الموالية للنظام والميليشيات الداعمة لها في مختلف المناطق السورية.
تحرير السجناء: تم إطلاق سراح عدد من المعتقلين من سجون الأمن العسكري، بما في ذلك سجن طارق بن زياد بجانب جامع الرحمن في حلب، حيث تم تحرير ما لا يقل عن 100 أسير وأسيرة.
اغتنام معدات عسكرية: استولت قوات ردع العدوان على عشرات الآليات العسكرية ومستودعات ذخيرة كبيرة، مما يعزز قدرتها على مواصلة العمليات في محافظات أخرى.
عودة النازحين: بدأت آلاف العائلات من حلب وإدلب في جمع متاعها استعدادًا للعودة إلى قراها ومدنها المحررة، حيث يُقدر عدد النازحين داخليًا بأكثر من مليوني شخص، ومعظمهم يعيشون في مخيمات ومناطق حدودية مع تركيا، بالإضافة إلى الآلاف في الأراضي التركية.
فرحة شعبية: عمت الفرحة بين الأهالي والسوريين في المهجر بعد انهيار النظام الذي جثم على صدورهم لأكثر من نصف قرن.
مظاهرات في المحافظات الأخرى: شهدت محافظات، وخاصة درعا، تحركات شعبية، حيث تم حرق صور الأسد، وتنظيم مظاهرات مناهضة للنظام.
تراجع معنويات قوات سورية الديمقراطية (قسد): خاصة في مناطق تل رفعت والشيخ مقصود، والتي ستكون الهدف التالي.

سادساً: رؤية أولية للأحداث الجارية في شمال سورية:

من المتوقع أن تستمر العمليات العسكرية لفصائل “ردع العدوان” بهدف استعادة السيطرة الكاملة على محافظتي حلب وإدلب، مع تحقيق مكاسب استراتيجية تعيد تشكيل الخريطة الميدانية. ومع ذلك، تبرز عقبات حاسمة في المناطق الشرقية من حلب، حيث توجد عقدة عسكرية صعبة قد تؤدي إلى مواجهة مقاومة شرسة من قبل قوات النظام المدعومة بالميليشياتالإيرانية، وخصوصاً مع وجود طريق خناصر المفتوح إلى وسط وجنوب سورية، ومن التحديات الرئيسية في شرق حلب:

1. السفيرة ومعامل الدفاع:
o تعتبر السفيرة موقعًا استراتيجيًا ومركزًا للصناعات الدفاعية للنظام، مما يجعلها هدفًا ذا أهمية كبيرة.
o التحصينات القوية والمخازن العسكرية في معامل الدفاع قد تزيد من تعقيد المعركة.
2. مطار النيرب العسكري:
o يعد مطار النيرب قاعدة عسكرية وجوية حيوية، ودونه قد تكون السيطرة على شرق حلب منقوصة.
o النظام يعتمد على هذا المطار لدعم العمليات اللوجستية والجوية في المنطقة.
3. التلال المحيطة:
o توفر هذه التلال ميزة دفاعية للنظام، وقد تتطلب السيطرة عليها عمليات نوعية وجهودًا مشتركة من جميع فصائل “ردع العدوان.

توقعات المعركة:

من المتوقع أن تكون المقاومة شرسة، خاصة مع الأهمية الاستراتيجية لهذه المواقع للنظام.
الفصائل بحاجة إلى استخدام تكتيكات متقدمة واستغلال الموارد التي تم الاستيلاء عليها في المراحل السابقة.
قد تستمر المعارك لفترة أطول مما هو متوقع إذا تعذر تحقيق اختراق سريع في هذه المناطق.

الخلاصة:

بينما يشير الزخم الحالي إلى إمكانية تحقيق تقدم في محافظتي حلب وإدلب، فإن العقدة العسكرية في شرق حلب تمثل اختبارًا لقدرة قوات ردع العدوان على إنهاء وجود الأسد وحلفائه في الشمال السوري. والتقدم والتوسعت في الجغرافيا الشمالية في هذه المرحلة سيكون عاملًا حاسمًا في تحديد مستقبل المشهد الميداني والسياسي في سورية كلها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى