عاممقالاتمقالات تربوية

توجهات تربوية من سورة مريم-بر الوالدين …. أنموذجا

أ. محمد العوامي

سورة مريم من السور التي تقدم لنا نماذج عظيمة من الأنبياء الذين تميزوا ببرّ والديهم.
إن قصص يحيى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل عليهم السلام في هذه السورة هي دروسٌ عميقة في بر الوالدين، وتُلهمنا للسير على خطاهم.

✔️ جاءت في سورة مريم ذكر صفة من صفات يحيى عليه السلام على بر الأنبياء بالوالدين، حيث قال تعالى: {وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا} (مريم: 14). يحيى عليه السلام كان نموذجًا في البر والطاعة لوالديه، وهو ما جعله الله نبيًا مرضيًا عند الله، وهنا نرى كيف أن البر بالوالدين هو من الأسباب التي تؤدي إلى رضا الله ورفع درجات المؤمن.

✔️ ثم ورد في شأن بر عيسى بن مريم عليه السلام بوالدته، حيث يقول الله على لسانه: {وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا} (مريم: 32). عيسى عليه السلام كان بارًا بأمه مريم عليها السلام، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها في حياته. يُقال إن من حكمة تكلمه في المهد هو تبرئة أمه من تهمة الزنا، فبره بوالدته وحنانه عليها يُظهر لنا عظمة البر بالوالدين حتى في الظروف الصعبة.

✔️ ثم ورد في شأن إبراهيم عليه السلام وحواره مع والده آزر، على الرغم من أن آزر كان يصنع الأصنام ويعبدها، إلا أن إبراهيم عليه السلام تعامل معه بكل احترام ورفق، محاولًا إقناعه بترك عبادة الأصنام واتباع التوحيد. يقول الله تعالى: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (مريم: 44-45). هنا يظهر لنا برّ إبراهيم بوالده في أسلوبه الرقيق واستخدامه لكلمة “يا أبتِ” التي تعبر عن الحب والاحترام، على الرغم من الخلاف الكبير في العقيدة، وهذا يعطينا درسًا عظيمًا في كيفية التعامل مع الوالدين حتى في أصعب المواقف.

✔️ ثم ورد برّ سيدنا إسماعيل بوالده: يذكر القرآن إسماعيل عليه السلام بوصفه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبيًا، يقول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (مريم: 54-55). إسماعيل عليه السلام كان بارًا بوالده إبراهيم عليه السلام، فقد استجاب لأمر الله عندما طلب منه والده أن يُضحي به فقال كما قال الله تعالى: {قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ} (الصافات: 102). مما يظهر طاعته لله وللوالدين وثقته العمياء في حكمة الله وتقديره، هذا الموقف يُعَلِّمنا قيمة الطاعة والثقة بقرارات الوالدين ما دامت في طاعة الله.

□ الدروس المستفادة من هذه القصص:

● بر الوالدين فريضة عظيمة: إن بر الوالدين ليس مجرد توصية، بل هو فريضة عظيمة أمرنا الله تعالى بها، وقدوة الأنبياء خير دليل على ذلك.
● بر الوالدين يبدأ من القلب: إن بر الوالدين ليس مجرد أفعال خارجية، بل هو شعور داخلي من الحب والتقدير والاحترام.
● الصبر والحكمة في التعامل مع الوالدين: قد نختلف مع والدينا في بعض الأمور، ولكن يجب أن نتعامل معهم بالحكمة والصبر، وأن نسعى إلى إصلاح ذات البين.
● الدعاء للوالدين: إن الدعاء للوالدين من أعظم القربات، وهو من أسباب زيادة البركة في العمر والرزق.

□ إن سورة مريم تقدم لنا درسًا عمليًا في كيفية بناء شخصية مسلمة متوازنة، وذلك من خلال الاقتداء بأنبياء الله في برهم بوالديهم. إن بر الوالدين هو مفتاح للسعادة في الدنيا والآخرة، وهو من أعظم القربات إلى الله.
□ علينا أن نسعى جاهدين ليكون بر الوالدين جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، وأن نزرع هذه القيمة في نفوس أبنائنا وأحفادنا.

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا بر الوالدين، وأن تجعلنا من الذين يدخلون الجنة بفضلك ورحمتك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى