
الشيخ د. ونيس المبروك
*************
في عام يتجدد الجدل حول المولد النبوي الشريف ، سألني صديق “هل من سبيل شرعي للخروج من هذه الإشكالية،… ؟؟
وهو سؤال يتكرر و”سيتكرر دائما” مع قدوم الموسم في كل عام، شأنه شأن رؤية الهلال وصدقة الفطر، وغيرها من المسائل التي تشغل أوقاتنا في زمن البطالة، وتخلفنا عن ركب الحضارة، وعجزنا عن المشاركة في مسيرة العِمران …
أقول :
1- لا ، لا يوجد سبيل للخروج من هذه الإشكالية، وكلُ من رامَ حلَ قفلِها؛ سيكسِر مفتاحَه، ويتعب نفسَه،…
و” لن” تجد ذلك الحل المثالي الذي تصبو إليه، بأن تجمع الناس على رأي واحد في المسألة؛ فقد كان الكتاب والسنة – ولا زال – بين أظهُرِ العلماء والفقهاء، ولكن نظرهم في النص لم يحسم الاختلاف، بل قامَ كلُ فريق بالاستدلال على خطأ أخيه بظواهر الكتاب والسنة !!!
2- مسألة المولد، وهلال العيد، وصدقة الفطر، وركعات التراويح، والصفات الخبرية، وطول اللحية، ولبس النقاب،ومصارف الزكاة، و …ومئات المسائل غيرها؛ لن يحسمها الجدل العلمي ! بل ستنقلب – مع سوء أخلاقنا وتحاسدنا – إلى مادة للنزاع والتشرذم والتشظي والتنابز بالألقاب، والسباب،
ولو كانت هذه المسائل من أركان الإسلام وثوابته لحَسَمها الحقُ سبحانه وتعالى بنص قطعي الثبوت والدلالة، ولكنها من مسائل الفروع التي يعتريها الاختلاف، بسبب طبيعة اللغة، بل طبيعة الدين نفسه الذي يتسم بالواقعية والمرونة، … والمجتهد فيها مأجور وإن أخطأ، ومَن قلّد فيها عالماً ثقة- بعد أن يجد في جوابه منطقاً متماسكا- فهو مأجور أيضا وإن أخطأ ! … وحاشا لله العدل، أن يأمر المسلمين بسؤال أهل العلم، ثم يعذبهم إن أخذوا بجوابهم !! وما سوى ذلك فتكلف وتنطّع وتقعّر، نُهينا عنه شرعاً
3- من علامات البطالة وتضييع الأوقات، تحْليةُ السَمَر، وإقامة الجدل حول هذه المسائل بين ” غير المتخصصين في علوم الشريعة”، والأسوأ من ذلك هو الإنكار على المخالفين، ووصفهم بما لا يليق ولا يجوز،
4- من غير المناسب إشغالُ العامة، في الوسائل العامة بأدلة مسائل كل فريق، وتوجيهها، وتشقيقها ومحاولة الترجيح بينها، وسرد ” قوائم ” المجيزين والمانعين، …هذا المسلك- في تقديري- يزيد طين الاختلاف بِلةً ولا يُجففه، ويُحيّر ذهنَ العامي ولا يُطمئنه،… مع ما عساه يصحب ذلك من تقعر فقهي، وإشباع لرعونات النفس، وتطلع للظهور ، وحشد الجمهور، …ويمكن تعويض كل ذلك بالتأليف، إو الإشارة إلى المؤلفات الرصينة التي عالجت المسألة، لمن أراد التثقف والتوسع .
5- لا شيء يعدل جمع قلوب المسلمين على الإخاء والمحبة، وتوحيد صفوفهم على الثوابت والمحكمات التي تجمعهم، ثم ترك مساحة للحوار بالتي هي أحسن، حول مسائل الفروع على بساط من الوداد وطلب الصواب والأصوب، دون تفسيق ولا تبديع ولا إنكار .